هذا وكان صالح قد بلغ في الغربة أربع سنوات، فلما أراد أن يرجع إلى أهله اشترى له ناقة وجمع ما أراد أن يحضره معه إلى أهله مما غلا ثمنه وخف حمله، واتفق مع جماعته بالرجوع إلى نجد وكانوا خمسة عشر رجلًا، وكل واحد على ناقته ومعلوم أنهم يختارون من الإبل الطيبات لأن المسافة بعيدة، والسفر شاق.
ومشوا من الشام متجهين إلى نجد وفي أثناء الطريق لقيهم قطاع الطرق وأنزلوهم عن الإبل بالقوة، وما كان من صالح إلا أنه أخذ يطاردهم ليتحصل على ناقته، فقام أحد الحرامية وضرب صالح مع ساق الرجل فكسره فسقط صالح على الأرض لم يقدر يتحرك وذهب الأعداء بجميع إبل العقيلات وبقي صالح مكسورًا واتفقوا جماعته أنهم يذهبون ويتركونه للسباع لأنه ما في أيديهم حيلة على حمله، وليس قربهم بلد، ومشوا وتركوه يبكي ويتلوى من شدة الوجع.
ولما صار بعد غروب الشَّمس أيقن أنه هالك لا محالة حيث إن السباع كثيرة في هذه الأرض، وبعد قليل من غروب الشَّمس إذا هو يسمع صوت المشي قريب منه ومتجه إليه فقال: في نفسه لعله سبع يأكلني أستريح وإذا الذي يسمع رجل معه حمار، والرجل شائب فقال بالحال: وش أنت يا هالسمار، وكان صالح خايف وعطشان وفيه كسر شديد، فقال أنا مكسور الساق، فقال الشايب يا الله الخيره من الذي كسرك؟ قال: الحرامية.
وكان الشايب قوي فشال صالح بين يديه وأركبه على الحمار وذهب به إلى بيته الذي بين الجبال، وهذا الشايب من الغنمي الذين يصيدون الظباء ويسمى لحمها الجلاء في ذلك الزمان (١) فلما وصل إلى بيته أنزله برفق وقال لزوجته
(١) الغنمي من صلبة الشمال المشهورين بالنظافة والقنص.