أما بعد: فالباعث لهذه النصيحة: إقامة الحجة على المعاند، والبيان الجاهل الذي قصده الحق، فإن الله سبحانه لما من على بادية المسلمين من أهل نجد، في آخر هذه الأزمان، بالإقبال على تعلم دين الإسلام، ورأى الشيطان منهم قوة في ذلك، وحرصًا على الخير، وايس أن يردهم على حالهم الأولى، التي انتقلوا منها، أخذ في فتح أبواب الشر، وحسَّنها لهم، وزيّنها في قالب القوة والصلابة في الدين، وأن من أخذ بها فهو المتمسك بملة إبراهيم، ومَن تركها فقد ترك ملة إبراهيم.
وهذا من كيد اللعين، كما ذكر ابن القيم رحمه الله: أن الشيطان يشم قلب العبد، فإن رأى فيه كسلًا، سعى في رده عن دينه بالكلية، وإن رأى فيه قوة، سعي في حمله على مجاوزة الحد، والزيادة على ما شرعه الله ورسوله، فإذا أخبر بالمشروع، قال له الشيطان: ما يكفيك هذا، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
ومن الأمور التي زينها الشيطان: التفرق والاختلاف في الدين، وسبب ذلك: كلام أهل الجهل بأحكام الشرع، فلو سكت الجاهل سقط الاختلاف والكلام في دين الله بغير علم، وخوض الجاهل في مسائل العلم، قد حرمه الله تعالى في كتابه {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. (الأعراف - ٣٣).
ومن كيد الشيطان أيضًا، الذي صدهم عن تعلم العلم وطلبه: اتهام علماء المسلمين بالمداهنة، وسوء الظن بهم، وعدم الأخذ عنهم، وهذا سبب لحرمان العلم النافع، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، ومن زهد في الأخذ عنهم، فقد زهد في ميراث