دين أهل الجاهلية، الذين لا يرون السمع والطاعة دينا، بل كل منهم يستبد برايه وهواه، وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة، على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، حتى قال:"اسمع وأطع، وإن أخذ مالك، وضرب ظهرك"، فتحرم معصية ولي الأمر، والاعتراض عليه في ولايته، وفي معاملته، وفي معاقدته ومعاهدته، ومصالحته الكفار.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم حارب وسالم، وصالح قريشًا صلح الحديبية، وهادن اليهود وعاملهم على خيبر، وصالح نصاري نجران، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده، ولا يجوز الاعتراض على ولي الأمر في شيء من ذلك، لأنه نائب المسلمين، والناظر في مصالحهم، ولا يجوز الافتيات عليه بالغزو، وغيره، وعقد الذمة، والمعاهدة، إلا بإذنه.
فإنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، فإن الخروج عن طاعة ولي الأمر، من أعظم أسباب الفساد، في البلاد والعباد.
ومن كيد الشيطان: أنه غلظ أمر الأعراب عند بعض الناس، حتى صار منهم من يتجاوز الحد الشرعي، وحكم عليهم بأحكام مخالفة للكتاب والسنة، فمن الناس من يري جهادهم حتى يلتزموا سكنى القرى، أو أنهم لا يستقيم لهم دين حتى يهاجروا، فالواجب على كل مسلم رد ما تنازع فيه المتنازعون إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يرد ذلك إلى محض الجهل والهوى.
ومن علم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الأعراب الذين في زمانه، وسيرة الخلفاء الراشدين، تبين له الحق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى توحيد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، قال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، (التوبة: ٥){فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}(التوبة: ١١).