التوكّل على الله سبحانه، فإذا قيل: ضاع جمل فلان، قال: ما يُدري وين الخيرة، وإذا قيل: مرض فلان قال: ما يدري وين الصالح، وإذا قيل: ضاعت المزودة وفيها فلوس، أو قيل خسر فلان في بضاعته، أو كذا وكذا، فيقول: ما نعلم وين الخيرة، أو ما يُدري وش الصالح فيه، لعله يكون خيرًا، وهكذا.
وقد غبطه الذين معه على ذلك، وأرادوا اختباره هل هذا توكّلٌ على الله صحيح، أو هو عجز وضعف باسم التوكّل؟
وكان له في تلك القافلة عشرة أباعر وعليها له أحمال بضائع، فاتفقوا على تغييبها عنه وقتًا (ما) بدعوى أنها ضاعت بأحمالها، لينظروا ماذا يصنع إذًا؟
وكان في العادة أن المعازيب وهم أهل البضائع يركبون على ركائبهم يسيرون أمام الإبل ذات الأحمال، ليس مع أحدهم إلَّا أواني القهوة، فأمروا الرّعاة والمسؤولين عن إبل ابن سمحان أن يَعْقِلوا إبل ابن سمحان آخر النهار في مكان خفي، قبل وصولهم مكان المعشّى، ويُنْزلوا عنها أحمالها ويتركوها مكانها، ثم يزعمون له أنها ضاعت: لينظروا ماذا يصنع؟ ففعلوا ذلك وعقلوها ثم لحقوا بالتجار ومنهم ابن سمحان.
فالمعازيب لما وصلوا المكان الصالح للمعشَّى وضِمْنُهُم (ابن سمحان) نزلوا وأوقدوا النار للقهوة، وعلى إثرهم الرعاة والحملات، الذين جاءوا فأخبروا أن إبل ابن سمحان ضاعت بأحمالها، فاضطرب المعازيب على الرعاة وأظهروا الغضب عليهم، إيهامًا لابن سمحان ليثيروا كامنة في ماله؟
ولكن ابن سمحان لم يفزعه ذلك، ولم يبد عليه الاضطراب، بل ثبت مطمئنًا يقول: إنَّا لله وإنا ليه راجعون، إيه ما ندري وين الصالح فيه.
وجعل يدعو والجماعة استمروا يتلاومون وماذا يصنعون في تطلبها؟ ليؤسفوه، لكنه استمر يسترجع مطمئنًا يقول: الله يريد بنا خير، ما نعلم وين الصالح.