ودعا مرة أمير بريدة على العشاء بعد صلاة العصر مباشرة كما هي العادة المتبعة عندهم في ذلك الوقت لأنهم لم يكونوا يعرفون وجبة الفطور وإنما كان لهم الغداء في الضحى والعشاء بعد العصر.
وكان قال للأمير: العشاء سيكون مختصرا لك أنت وأربعة أو خمسة من رجالك المقدمين غير أن الأمير أضمر أمرا يريد أن يمتحن به الملا ابن سيف ذلك بأنه أحضر معه حوالي ثلاثين من رجاله ضاق بهم مجلس ابن سيف الذي لم يكن قد أعد من العشاء ما يكفي عشرة، أو نحوهم، ليعرف كيف تصرف (الملا) تجاه ذلك، ولكن الملا لم تضق حيلته فأمر أحد جيرانه الحاضرين، وكان قوي الصوت أن يصرخ بأعلى صوته قائلًا:
سعيرة: سعيرة: أي: نار عظيمة مشتعلة.
والسعيرة عندهم هي الحريقة وكانوا إذا شبت حريقة في بيت من البيوت صرخ أحدهم أو أكثر من واحد: سعيرة سعيرة، فيسرع إليه من يسمعه من الناس يخرجون من بيوتهم ويأتون من الأزقة المجاورة حتى يساعدوا على إطفاء هذه السعيرة، أي النار المشتعلة بجلب المياه من عدة بيوت لإطفائها وبكافة أنواع المكافحة.
وفعل الرجل وخرج الناس من البيوت وكان في مقدمتهم أولئك الذين مع الأمير ما عدا رجاله المقربين وهم أربعة أو خمسة وسارع ابن سيف يغلق بابه إغلاقا محكما، ويقدم الطعام للأمير ومن معه.
أما الذين خرجوا يبحثون مع غيرهم عن (السعيرة) فعندما أيسوا من العثور عليها رجعوا لبيت ابن سيف فوجدوا الباب مغلقا والأمير قد فرغ من العشاء! .