جلعود لازمهم زمنًا ثم عاد إلى القصيم يحمل مشعل العلم والمعرفة، فجلس للطلبة في بريدة مع ملازمته لمشائخه في بريدة، وقد كان زميلًا لهم في الرياض أعني آل سليم، وحصل بينه وبينهم بعض الخلاف، مما أثر الوحشة بينهم، فرحل إلى عنيزة وطاب له المناخ فيها، وسكنها وأحبه أهلها وألفوه، لما كان يتمتع به من أخلاق عالية وصفات حميدة، وكان بينه وبين جدي صالح بن عثمان صحبة أكيدة، وكان زميلًا له على مشائخه ويحضر جلسات جدي ويناقشه في الجلسة، وأشار عليه بأن يجلس للطلبة فجلس لهم فبعد نهاية قراءتهم على جدي ينفتلون إليه، وله تلامذة من أبرزهم شيخنا عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، وكان شيخنا كثير الثناء عليه، يقول: إنه يعتبر من خيرة أهل زمانه، ومن تلامذته علي بن ناصر أبو وادي وابنه عبد العزيز الصعب، وحفيده عبد الرحمن، وفي آخر عام ١٣٣٤ هـ، عاد إلى بريدة (١)، وكان دمث الأخلاق لا يحب الشهرة شهمًا حازمًا في كل شؤونه حليمًا لا يُعرف الغَضَبُ في وجهه سخيًا يضرب المثل فيه بالكرم محبًّا للمساكين ولأهل الخير والصلاح عزيز النفس متعففًا مع قلة ذات يده مستقيم الديانة مجالسه ممتعة، ومحادثاته شيقة، وكان كثير التلاوة لكتاب الله جهوري الصوت، وكان لسانه رطبًا بذكر الله لا يفتر منه، وكان آية في الزهد والورع والتقى، كثير الصيام والتهجد، ومن قوام الليل، ولقد حدثني عبد العزيز المحمد البسام عنه بأنه كان كثير التلاوة حتى إنه كان يتلو القرآن حفظًا وهو نائم، ثم يقف ويستمر هكذا إلى هوي من الليل ومن الليل بعدها بعد إغفائه يبتدئ بالقراءة مع الذي وقف عليه في الليلة التي قبلها، وهكذا في كل ليلة وهذه كرامة من كرامات الأولياء، وأما أوصافه فإنه كان طويل القامة صخمًا قمحي اللون متوسط الشعر طلق الوجه توالت عليه الأمراض بعد أن أرهقته الشيخوخة وضعف بدنه وبصره ووافاه أجله المحتوم في ٥ صفر، وفي بعض المراجع في ذي الحجة سنة ١٣٣٩ هـ.