قال: لا، هل تبعهما؟ قال: لا، بل جلس وأنشد الأبيات التي قلتها لك من هذا الشاب الغريب، وما هي إلَّا لحظات حتى دخل الشاب على عمه في منزله، فخرج الرجل وأشار بيده خفية بأن هذا هو الشاب الذي تغزل في ابنتيك.
سلم الشاب على عمه، وجلس يتناول القهوة، فقال له عمه، ما الشعر الذي قلته في ابنتي؟ قال: لم أقل شعرا يا عم، قال: بل قلت، كذا وكذا، فأعاد الشاب الشعر على عمه، فقال: ألم تعلم أنهما ابنتي عمك؟ قال: لا، وما يعرفني وهما متحجبتان.
فاعتذر من عمه عما بدر منه، علمًا بأن الشعر عفيف ولم يتعرض إلى شيء مخل أو غزل كما قرأتم الأبيات الشعرية آنفًا.
فقال له عمه بعد ما قبل عذره: لا عليك يا ابن أخي، الآن اختر إحداهما زوجة لك، فقال لعمه: يا عم ما جئتك لأتزوج، وشرح له وضعه المادي الضعيف هو ووالدته، إنما جئت للعمل وطلب الرزق والزواج يلحق إن شاء الله فيما بعد فقال له عمه: هذه الزيجة من الرزق، وألح عليه عمه بالزواج من إحدى ابنتيه فاختار البنت الكبرى، وتزوجها بعد ما جهزه عمه بكل ما يلزم الزواج.
وهذا ليس بغريب على أهل الأسياح المشهورين بالكرم، وقد كتب عنهم الكثير بهذا الشأن، وبعد انتهاء مراسم الزواج جهز عمه له ناقة محملة بالأرزاق، وقال له: أنت في فرح الزواج، فاذهب أنت وزوجتك إلى والدتك واقض باقي أيام الفرح عندها، وعندما تنتهي تلك الأيام، اترك زوجتك عند أمك، وتعال لتعمل عندنا كما تريد، وإذا اشتقت لأهلك أذهب إليهما، المسافة بين (عين ابن فهيد) وبلدة أو مركز الشاب لا يتجاوز العشرين كيلو مترًا تقريبًا.
فشد الزوج ناقته وأركب زوجته خلفه، وودع عمه وودعت العروس والدها وسارا إلى والدته.