سليمة، بل بنيته قوية ومتعته هي في مطالعة الكتب، والجلوس مع نوع معين من الرجال الذين يختارهم يرى أنهم يفهمون ما يقول ويتجاوبون معه، وأنهم على درجة معينة من السلوك الديني النظيف ومن زهده أنه لا يستجيب للدعوات على الطعام أو القهوة إلَّا نادرا ولمن كان من أصحابه الخلصاء، يمنعه ترفعه وعزة نفسه عن ذلك.
وقد بقي عزيز النفس معروفًا بذلك عند العامة والخاصة.
بعد خمسين سنة:
لم تكن الرابطة التي تربط بيني وبين الشيخ فهد بن عبيد أكثر من رابطة سلوكية علمية زهدية فهي تعتمد على مراقبة السلوك وأن يكون ذلك كله وبدقة وفق ما أمر به الله ورسوله مع الابتعاد عن الشبهات والزهد في الكماليات، والنفور من الأشياء العصرية المحدثة - سوء أكانت آلات أو أدوات تعبيرات أو حتى كلمات.
وكان من ذلك البعد عن أسباب العيش الرغد، فالشيخ فهد له إرث قليل من والده، ويصلح الساعات فيكسب منها قليلًا.
أما أنا فإن والدي له دكان، ويقوم في وقت القيظ بإصلاح ملح البارود، وذلك كله كاف للمعيشة الطيبة.
غير أنه أصاب عيني والدي الماء الأبيض الذي يصيب كبار السن في العادة فصار يخرج لدكانه، ولكن عمله قل، وأنا كبير الذكور من الأسرة، وكان والدي يعقد علي آمالا عراضا في أن أكفيه شئون البيت وضمان نفقاته في هرمه.
إضافة إلى ما أحتاجه أنا من نفقات ومصروفات شخصية ضرورية لذلك قبلت أن ألتحق بالتدريس على وظيفة مدرس، وكنت مارست مهنة التدريس في آخر عام ١٣٦٣ هـ ولم أكن تجاوزت آنذاك الثامنة عشرة.