مثلها يبادر الخاطبون، ولعمر الله لقد بذلت مجهودي في تهذيب دلائله وجمع مواعظه وفوائده ومسائله، فإن شئت اقتبست منه آدابًا شرعية وإن أحببت تناولت منه آثارا نبوية، وإن شئت وجدت فيه نكات أدبية وإن رمت الخوف والرجاء وجدت فيه أمورًا وفية.
إذا نظر فيه الناظر زاده إيمانا وإن رام صفة الجنة جلاها عليه فكأنه يشاهدها عيانا، أو صفة النار فإن فيه من ذكرها بيانا ينهض القاعد إلى المسير ويحض المتواني على التشمير ومع ذلك فهو جهد المقل وقدرة المفلس، حذر فيه من الداء وإن كان من أهله، ووصف فيه الدواء وإن لم يصبر على تناولها - لظلمه وجهله - وهو يرجو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين أن يعفو عنه بنصيحته لعباده المؤمنين (١).
وقال الحفيد الأستاذ يوسف العبيد:
ولذا رأيت أن أهذب كتاب عقود اللؤلؤ والمرجان في وظائف شهر رمضان، بعد أن رغب أولاد الشيخ وأحفاده، وكثير من محبي المؤلف رحمه الله - بتهذيب الكتاب فعمدت إلى الأحاديث الموضوعة والضعيفة فحذفتها وجعلت مكانها أحاديث صحيحة تغني عنها وأقصيت كل لفظ غريب أو حكاية منكرة كانت سببًا لعزوف البعض عن الكتاب.
مع أنه ليس كل ما ذكر عن الزهاد يكون منهم على الدوام فقد يجيء منهم في وقت ما لا يكون في وقت آخر فالشيخ الزاهد محمد بن صالح المطوع رحمه الله كان يأكل الشواء ومع ذلك لما جلس على طعام دعي إليه ورأى رأس شاة قد شوي بكى وقام عن الطعام، ولم يأكل فسئل عن ذلك فقال ذكرت قول الله تعالى:{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}.
(١) من مقدمة كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله، ص ٦.