حتى إنه إذا تكلم في فن من هذه الفنون خيل إليك أنه قد تخصص فيه وأنه هو الفن العلمي الوحيد الذي يعرفه.
فكان بحق العالم (المتفنن) الذي يحسن كافة الفنون العلمية المعروفة.
وكان يتوقد ذكاءً ويستوعب الشواهد والنصوص الكثيرة حفظًا فكنت إذا جالسته جالست الأديب والفقيه والمحدث والمفسر والشاعر فكأنما جمع الله في شخصه هؤلاء كلهم.
ثم شاء الله تعالى أن ينتقل عملي إلى رابطة العالم الإسلامي أمينًا عامًا مساعدًا وأمينًا عامًا بالنيابة، وكان ذلك في عام ١٤٠٣ هـ والشيخ صالح بن عثيمين يشغل في الرابطة وظيفة المستشار، وكان إلى ذلك عضوًا في المجمع الفقهي فيها وفي اللجنة الثقافية، ولكنه كان قد بلغ آنذاك الثالثة والثمانين من العمر، إلا أنه لا يزال متألق الذهن، نير العقل، فكنت أجلس معه واستفيد منه أشياء غير مكتوبة من أخبار طلبة العلم وغيرهم وعن مجريات الأمور في عهده.
فكان مجلسه كالبستان الذي حوى من الزهور ما تستطيبه العين ويلذه الذوق وهي زهور علمية ونكت أدبية ومعلومات عن الكتب ما طبع منها وما لم يطبع، هو عالم بها متابع لذلك، ومن سير العلماء المتقدمين والمتأخرين وقد أنشدني بعد محاولات عديدة شيئًا من شعره، وكانت لدي مرثية له في زوجة له ماتت فرثاها بقصيدة عصماء دلت معانيها على الوفاء والإخلاص، ودلت ألفاظها ومبانيها على أنه ذو ملكة شعرية راقية.
وما أحرانا نحن عارفي فضله وعلمه بأن نسجل ذلك قيامًا بالواجب واقتداء بالسلف الصالح في تخليد مآثر العلماء النبغاء ومما يسر أن إحدى كريماته وهي البنت العزيزة (عائشة) تقوم الآن بذلك فجزاها الله خيرًا ورحم الله الشيخ صالح بن عثيمين رحمة واسعة. انتهى.