الإبل أصواتهم بالحديث فيما بينهم، لأن الإبل التي يركبونها تكون متفرقة فلما رأى أحد شبانهم عليَّ الثوب الجديد قال لقومه وأنا أسمع: أنا والله أبي ثوب هالحضري، فقال رجل منهم عاقل: يا فلان، اتركه هذا لو هو في سعة ما قطع الحصا، وكانوا يشاهدونني، فقال الشاب: أنا أبي ثوبه أنصب به عند فلانة.
ومعنى ينصب به يتجمل به عند معشوقته أو زوجته فلانة.
ونهاه رجل منهم آخر فلم ينته، وإنما نزل من فوق بعيره وجاء إليَّ، وكنت في مكان منخفض قليلًا، فقال بلهجة الأمر: عطني الثوب يا الحضري، وكان رفع عصا معه يريد أن يضربني بها إذا تمنعت.
قال وأنا أنظر إلى رفقائه أريد أن يختفوا فقلت له: بصيغة التذلل؟ يا ابن الحلال، أنا ما عندي غيره، لعلك تخليه لي ويغنيك الله عنه، فأسرع يضربني على كتفي بعصاه، فلم أبال بذلك حتى عرفت أن رفقاءه أبعدوا عنا فصرت أنزع الثوب من جسدي كما لو كنت أخلعه لأعطيه إياه، وناولته إياه بيدي اليسرى فلما قرب مني يريد أخذه أمسكت به بيدي اليمني من قرونه، وكان على رأسه شعر قد جعله قرونًا أي جدائل ثم رفعته برأسه كما يرفع الإنسان الأرنب وضربت به الأرض، فكاد يموت وهو يقول: ذبحتني يا الحضري، تكفى، لا تذبحني ترى مالامي غيري!
فقلت له: أنا ما أناب ذابحك علشان خوياك الطيبين اللي نهوك عن التعرض لي، وإلا كان ذبحتك ودفنتك هنا.
قال عجلان: ويعلم الله أنني أحاول ألا يصيبه كبير ضرر لخوفي من جماعته لأنهم يعرفون مكاني، والأمن في ذلك الوقت غير متوفر.
فقلت له: أبشر أنا ما أناب ذابحك، لكن أبي أقطع جدايلك هذي حتى تعافك رفيقتك اللي تبي (تنصب) بثوبي عندها، ثم أخذت أقطع جدائل شعره بمخلب معي، والدم يقطر من أصولها.