للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيب الموت أمي، فغابت عني وبعدت مني، وفارقتني أمي، ودعتني أمي بزفرات أسلمت فيها الروح الله، فودعتها أنا بشهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنه لا بقاء إلَّا الله، وأن علينا الرضا والقبول والتسليم لأمر الله.

ودعت أمي وأسكنتها باطن الأرض ثم وأريتها التراب بيدي، أسلمتها لله، ومضيت في سبيلي، أجر أحزاني، وكان والله أمرا عسيرا وصعبا، لولا الإيمان بالله، فرحماك يا الله أسألك يا ربي أن تلطف بي وبكل مصاب مثلي، وأن تجبر كسرنا وتعظم أجرنا وتهدئ من روعنا وتجعلنا من المؤمنين الموقنين بقضاء الله وقدره، وأن تكتبنا مع الصابرين المعانين إن شاء الله.

ماتت أمي وهي بالنسبة لي فرجة أتقرب منها إلى ربي أطلب رضاءه في خدمتها، وأستزيد من طاعته بالجلوس عندها، والتلطف معها، والعمل على راحتها، وأرفد عبادتي بكل شيء أعمله من أجلها، وحتى بالنظر إليها.

أسألك يا ربي أن لا تحرمني أجرها ولا تفتني بعدها، وأن تجمعني بها في دار كرامتك إن شاء الله.

خطف الموت أمي وكان قبلها قد أخذ أبي، وذهب بأختي وأخي، فاحتسبت فيهم الأجر من الله.

وقد ظلت صابرة حامدة شاكرة زاهدة بالدنيا وما فيها راغبة في قصر دنياها على العبادة لا تعرف من البيت إلَّا موضع صلاتها، ومكان نومها، دائمة الدعاء لنا أخي وأنا، وكل الأحفاد، لا راحة لنا إلَّا معها نجتمع عندها ونلتف حولها مرة تحسبنا صغارًا فنستكين لها، تعاملنا بعطف وحنية ودعابة، لا هم لها إلَّا رضاء الله ثم سعادتنا.

تسأل كل واحد منا، هل أكلت؟ هل شربت؟ هل ارتحت؟ هل يزعجك شيء أو يضايقك شي؟ لا يلهيها عن الاطمئنان علينا وجع أو مرض، ولا يشغلها عن الاهتمام بنا شأن آخر غيرنا، يفرحها أنسنا وضحكنا، تستشف منه