والشيخ فهد العبيد رحمه الله محدث نهم يكثر من الحديث ذي الأهمية حتى لو قدر لمن يكون معه أن يكتب أحاديثه لوجد أن أكثرها يستحق التدوين، وبخاصة أخبار العلماء والزهاد والصلحاء المحبين لهم من غيرهم، وقد استمع عشرات الألوف على مدى سنوات إلى وعظ الشيخ فهد العبيد بعد هذه الزيارة للشقة بنحو خمسين سنة فكانوا يتعمدون أن يصلوا في المسجد الذي يعظ فيه فهد العبيد حتى كان المسجد يضيق بهم.
كان الوقت صيفًا عندما ذهبت مع الشيخ فهد العبيد إلى الشقة، وقد وصلنا من دون أن نشعر بطول الطريق لما ذكرته، ولكوننا لا نتصور في ذلك الوقت أنه يمكن لنا أن نختصر الطريق أو لا نهتم به، وكان وصولنا في آخر الضحي، وقد اشتدت حرارة الشمس.
وجدنا الأخ في الله عبد العزيز القصيِّر رجلًا من أهل الله كما يعبر بذلك بعض القدماء فهو مقبل على العبادة تارك لغيرها، وكان ابنه محمد هو الذي استقبلنا وأسرع يصنع القهوة، ولم تكن توجد في تلك الأوقات قهوة مصنوعة جاهزة في زمزمية أو نحوها - مثلًا - كما نعرفها اليوم.
والشيخ فهد يتحدث مع الأخ القصير أحاديث كلها زهد وعبادة وسؤال عن حال الإخوة من المشايخ وطلبة العلم وأخبار العلماء القدماء من الصالحين.
أما أنا فإن دوري كان الاستماع بعد أن ذكر فهد العبيد له اسمي بمثابة التعريف، ولكن بدا لي أنه غير مبال بي، ولم يعرني أي اهتمام، ولم يحزَّ ذلك في نفسي، لأنني لا أزال صغير السن، وإنما بهرني مظهر الخشوع والعبادة في الرجل، وكلامه الذي ينضح إيمانًا وتوكلًا على الله وتسليمًا له، وإن كان أقل بكثير من كلام الشيخ فهد العبيد في الاستشهاد بكلام العلماء ونقل أقوالهم.