الإمام أحمد ملك اليمن واتهموه بإفساد عقائد الشباب اليمني الذين يدرسون بمصر وحثهم على التمرد، وقال الإمام أحمد لصلاح سالم:(إننا لن نتفاوض حتى تعطيني وعدًا أكيدًا بأن يخرج القصيمي من مصر)، واضطرت حكومة الثورة تحت الضغط الشديد وتثبيتًا للتضامن العربي أن تخرجه إلى لبنان وهي كارهة لذلك.
ومكث هناك نحو سنة ونصف يعاني فيها أشد ألوان القلق النفسي لاغترابه وبعده عن أهله وأطفاله، وحاجته وحاجتهم الماسة إلى ما يقيم أود حياتهم، وإن وجد من رجال الفكر الحر بلبنان ومن الصحافة اللبنانية كثيرًا من التشجيع الأدبي، والتأييد المعنوي، ولم يعدم من ذوي الشهامة من يقدم له بعض العون المادي، وفتحت الصحف والمجلات صدرها له ونشر هناك آراءه الخطيرة في الحياة والمجتمع والحاكمين والمحكومين والطغاة ورجال الدين والعقائد والديانات جميعًا.
وخلعوا عليه النعوت والألقاب ما يدل على عظيم تقديرهم له، فهو فيلسوف السعودية، وهو المارد الفكري الجبار، وهو المفكر العملاق الذي يقف فوق قمة العقل كأنه آلهة من آلهة العقل عند الإغريق، بل قالوا عنه:(لو أردنا أن نعد أعظم حدثين، فكري ومادي وقعا للجزيرة العربية في عهدها الحديث لكان هذان الحادثان هما البترول والقصيمي).
وخلال إقامته بلبنان أقام بعض أصدقائه قضية باسمه أمام مجلس الدولة المصرية، وتطوع فيها بعض المحامين مطالبين بإلغاء قرار الإبعاد، وقد حكم مجلس الدولة بإلغاء هذا القرار بعد عدة أشهر.
وقد كان هذا الحكم منتظرًا ولم يكن محتملًا أن يحدث سواه، وقد دل الحكم على شيين: على أن ضمير القضاء المصري سليم، وعلى أن العهد الجديد - عهد الثورة - يحترم استقلاله.