ويشكل كتاب (العرب ظاهرة صوتية) نموذجًا مثاليًا لأسلوب ذلك الكاتب الذي انتقد دون رحمة، وطعم نقده بالكثير من السخرية العميقة والمبطنة، فهو يقول في مقدمة ذلك الكتاب (إن العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكًا لها إذا كان ذلك بصمت).
فالضجيج والإدعاء والخطابية من أخطر أمراض الشخصية العربية التي شرحها عبد الله القصيمي في ذلك الكتاب.
وقبل ذلك الكتاب الذي كان له وقع الصاعقة في السبعينات سبق ذلك المفكر أن بدأ معركته التي كانت صاخبة في معظم فصولها بكتاب (الصراع بين الإسلام والوثنية) والذي هاجم فيه البدع والخرافات، وكذلك كتاب (هذه هي الأغلال) الذي تابع فيه ذلك النهج، وكان له الوقع الطيب على العلماء والعامة الذين لم يسبق لهم سماع آراء صريحة من ذلك الوزن الذي دخل به القصيمي إلى الحياة الثقافية والفكرية في وقت شهد الكثير من الهدوء واللامبالاة بطرح تلك الأسئلة العميقة والمحيرة.
وفي مصر فتح القصيمي معركة أخرى مع الكاتب محمد حسين هيكل حين أصدر كتابًا انتقد فيه منهجه في كتابة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد انضم عباس محمود العقاد إلى القصيمي وآزره في معركته ثم كتب يثني على أفكاره الجريئة وكذلك فعل طه حسين، وكان الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل قد أشار إلى حواراته العديدة مع الراحل حول تلك القضايا في كتاب (ليلة في جاردن ستي).
ونظرًا للمشاغبات والمعارك الثقافية التي أثارها القصيمي أطلقوا عليه لقب فيلسوف العبث المتمرد لأنه كان يرفض المهادنة، ويواصل تدعيم آرائه بكتاب تلو كتاب فقد صدر له بعد ذلك (أيها العقل .. من راك) كتاب (كبرياء التاريخ في مأزق)، ثم (هذا الكون ما ضميره) و (فرعون يكتب سفر الخروج).