للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أوروبا والإنسانية عامة، ولقد أضاعت فرنسا فرصة تاريخية للاشتراك في الحضارة العربية التي ازدهرت بعد ذلك بزمن وجيز، أي أنها فقدت فرصة عظيمة لاختصار عهد الفوضى الإقطاعية وتكوين وحدتها القومية.

ويقول أناتول فرانس بظرفه البارع في الحياة المزهرة): "سأل السيد دوبوا - مرة - السيدة نوزبية، ما هو أكثر أيام التاريخ شؤمًا؟ فلم تستطع السيدة نوزبية الإجابة على هذا السؤال، وحينئذ قال السيد دوبوا: إن أكثر أيام التاريخ شؤمًا هو اليوم الذي جرت فيه معركة (بواتييه) في سنة ٧٣٣ حين تراجع العلم والفن العربيان والحضارة العربية أمام البربرية الفرنجية" (١).

ونجمل القول بشهادة أحد كتاب الفرنجة عن أثر الحضارة العربية في الحضارة الغربية حيث يقول: "إن العلوم والفنون والآداب العربية قد كونت حلقة اتصال بين الحضارات القديمة والحضارات الحديثة والثقافة، وإن الحضارة التي قدمها العرب للأقطار التي فتحوها قد بقيت مدة أطول من سلطان الفاتحين أنفسهم.

ونحن ندين لهم - بطريق مباشر أو غير مباشر - بإحياء العلوم والفلسفة في أوروبا والغرب حيث كانوا أول الموقظين والباعثين لروح النقد والبحث والاستقصاء التي كان لها أثر كبير في إنقاذ أوروبا من سبات جهالة الرهبنة وضلالة التعصب الديني، ويعزى إليهم أخيرًا بطريق غير مباشر معظم تلك الفنون المفيدة والاختراعات العملية التي بلغت حدا من الكمال بجهود الأمم في العصور الحديثة، ومهما اتسعت دولة السيف العربية عن طريق القوة فإنها أضيق مدى واتساعًا، وأقل خلودًا وبقاء من دولة الفكر العربي" (٢).


(١) الحضارة العربية: د. روجيه جارودي، ص ٨ - ٩.
(٢) التيارات الأدبية الحديثة في جزيرة العرب، ص ٣٩ - ٤٠.