الحكومة، وإنه رافقني حتى يبلغني مأمني، فقال إنه سمع بقصتي، ومما قال له صديقي أنك إذا أخذته تحسن لأهل دمشق، وهو يحمل دراهم يعطيك بقدر ما تحب، فأجابه: تقول لي إنك تحسن لأهل دمشق إذا نجا بروحه، وتعرض عليَّ أن آخذ منه أجرة، ومتى كان العربي يأخذ أجرًا على المعروف؟
وعاد صاحبي عبد القادر آغا سكر، وسرت على بركة الله مع جمال النجديين، فقطعنا سهل الجولان وبتنا تلك الليلة دون عقبة فيق، واقترب مني ساعة نزولي فارس من خفراء شركة الدخان، يحادثني ويتحبب إليَّ، فأزعجني بكلامه، ولاحظ أني متعب كثيرًا فقال لي: مالك وللجمال تتجر بها - ورُعاة الجمال يوهمون من نصادف أني أنا صاحبها - لو فتحت لك دكانًا في سوق باب البريد ببلدك لعشت في نعيم، وخلصت من هذا الشقاء، ومن قطع الصحاري والبراري، فتثاءبت وتناومت فقال لرفاقي:(إنه تعبان المسكين)، وتركني وانصرف.
ومن الغد هبطنا العقبة فأشرفنا على أراضي غور ببسان وبحيرة طبرية ونهر الأردن (الشريعة) فاجتزنا الجسر القديم المتداعي سباحة على الدواب، ثم توقلنا الجبل إلى موقع الدَّلابكة، وهو بين جبلين منفرجين متآزيين، وبتنا ليلتنا في سوق الخان بلد الصبيح على ساعتين من الناصرة، وفي اليوم الرابع دخلنا في غابة عظيمة من شجر البطم نحو ساعتين، فبلغنا قرية دبورية، وفي منقطع أرض هذه الدسكرة يبتدئ مرج ابن عامر (سهل يَزْرّعيل)(١)، فقطعناه عرضًا في أربع ساعات حتى بلغنا قرية اللجون، ومنها إلى وادي عارة، وطوله ثلاث ساعات، وهو ضيق متوازي الأضلاع، وبتنا الليلة الخامسة في عيون الأساور على ساعتين من قيسارية، واجتزنا في اليوم السادس بقرى نابلس مثل قاقون وقلنسوة والطيرة ومسكة، فبلغنا نهر العوجاء على ساعة ونصف من يافا.
(١) يلاخظ أن هذا كان قبل إنشاء دولة اليهود في فلسطين.