للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثني من أثق به بعد مدة، أن جماعة من أعيان نابلس وشبانها المثقفين، ومعظم شبانها مثقف، استصرخوا أهل قرى نابلس التي يلاحظ أني اجتاز بها، وأشاروا إليهم إذا رأوني أن يحملوني إلى مكان بعيد، ويبعدوني عن أنظار كل من له علاقة بالحكومة، فكان أهل القرية من القرى المستصرخة ينتدبون أناسًا من شجعانهم وأصحاب المروءات منهم، يقفون على الطرق في الليل والنهار، لينقذوني من مخالب الظالمين وباتوا يترصدون المعابر والمسالك أيامًا وليالي حتى قرءوا في الصحف المصرية أني بلغت مصر، وهذه مروءة عربية أسترق بها النابلسيون قلبي ما دمت حيًّا.

وفي اليوم السابع اجتزنا قرى الساحل مثل جبنة، سدود، مجدل بربرة، بير هديد، غزة، ورأينا بعض المستعمرات اليهودية الزاهرة، وقضينا الليل في دير البلح، وفي اليوم الثامن دخلنا في رمال على نحو ثلاث ساعات من غزة، وبعد مسيرة ست ساعات بلغنا محطة رفح أول حدود مصر والشام، وفي اليوم التاسع دخلنا في رمال خمسة أيام حتى قالت الإسماعيلية ها أناذه وكنا نسير في هذه الجفار على مقربة من البحر لا نبعد عنه كثيرًا، والرمال لا يتبدل شكلها.

ذكرت هذه المراحل لأني قطعتها على راحلتي وما كنت لأقطعها لو خيرت، وقد استفدت من هذه الرحلة فوائد جغرافية وطوبوغرافية، وما كان يومئذ خط حديدي يصل بين آسيا وإفريقيا أو بين دمشق والقاهرة، ولا طرق معبدة تسلكها السيارات، وقصدت بتقييدي هذا تسجيل ظاهرة غريبة، أو بدع قديم بطل، وذكرى أيام قضيتها في عالم الأباعر فاستحليتها وهي مُرَّة.

قلت في محاضرة ألقيتها في الأسبوع الذي بلغت فيه القاهرة، في فندق ادن بلاس، إجابة لمقترح جماعة من السوريين، بعد أن عددت ما وقع لي منذ خرجت من بلدي إلى أن دخلت الإسماعيلية، وألممت بتاريخ ذاك الطريق الذي