حتى ينتهي من صلاته وشأنكم وإياه، فغضب إبراهيم غضبًا شديدًا على ولده، وقال له: لماذا تكسر خواطر الأيتام من أجل عشاي؟ فقال ابنه: إنهم قد أكلوا عشاءهم، وأخاف أن يفسدوا عليك عشاعك فاقسم إبراهيم - رحمه الله - أن لا يذوق عشاءهم هذه الليلة، حتى لا يعودوا لمثل هذا التعامل مع الأيتام، فبات تلك الليلة طاويًا من دون عشاء.
فلما قام من آخر الليل - كعادته - للصلاة، وأوقد النار، دخل عليه من فرجة صغيرة من أعلى غرفة القهوة طير كبير على ضوء النار، فمسكها وذبحها وأتى بالقدر وطبخها، ولما انتهى من صلاته تعشى منها قبل ذهابه لصلاة الفجر، ولما رأى أبناؤه ما بقي منها في القدر سألوه: ما هذا؟ فقال: إن الله خلف عليَّ عشاءكم البارحة.
ومن هذه الأسرة إبراهيم بن صالح المزيني المتوفى في
٢٢/ ١/ ١٤١٧ هـ فهو من نوادر الرجال في الغيرة على دين الله، فلا يشغل باله إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحذير من البدع المضلة، حتى إن أهل البلد كلهم يخافون منه، لما له عندهم من القدر والاحترام، ولما عنده من الصدق مع الله، وحسن النية - كذا نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا - فربما حصل من أحدهم بعض المخالفة الشرعية فما يرده عنها إلا خوف أن يعلم بذلك المزيني، بل ربما جاءه أحد وقال له: لا يدري المزيني، إلى ذلك كان يقضي حوائج الناس ويقوم بأعمالهم، ويبذل ماله، فقهوته (مكان إيقاد النار وشرب القهوة، كما مر مفتوحة لمن يأتي يقضي حاجته، ويشرب عنده القهوة، ويقدم له التمر، وذلك مع الفقر وحاجة الناس إلى مثل ذلك، وربما أتاه الآتي وليس له حاجة تذكر، إلا ليحصل عنده على شيء يأكله، كما حكاه لنا بعضهم عن نفسه، وكثير من الموجودين الآن يعرفونه ويذكرون مواقفه، فرحمه الله رحمة واسعة.