من الدهاء والمعرفة، ولهذا قال في مدحه الشيخ عمر الوسيدي من قصيدة مر بنا ذكرها:
ويا سليمان المشعلي نلت مفخرا ... وعلما على حسب الوري والأماثل
فلا تسامن البحث فيه ولا تكن ... جبانا إذا دارت فنون المسائل
فمن فعلك الإحجام طبعا وإنما ... لك خبرة في قاطعات الدلائل
وقد نفعته تلك الرزانة بحيث كان عاقلا يعالج المشاكل بحكمة، وبما أن القاضي عمر بن محمد بن سليم يستنيبه في القضاء فقد كان الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد يستنيبة أيضًا إذا كان موجودًا، وكان جبلًا عظيمًا في القضاء لرزانته وقلة كلامه فيوقف عند توجيهاته، وفي صفته كان قصير القامة أقل من الربعة ممتلئ الجسم قد لوحته الشمس إلى السمرة، وكان معظمًا ومحترمًا ومهابًا ولا يحب المزح، كثير التفكير.
ومن كلماته الخالدة قوله إن العالم (١) في هذا الزمن كالحلتيت إن احتاج الناس إليه طلبوه، وسعوا في تحصيله وإن استغنوا عنه لم يعبأوا به.
ثم أنها تداركت عليه أمراض في آخر عمره لأنه يغلب عليه السعال المخاطي البلغمي، وأقعدته الأمراض وكبر سنه فلما كان ذات ليلة قال لابنه عبد الله: إني موصيك بوصية وقد أشهدت عليها عبد الله بن رشيد الفرج وفلانًا لرجل سماه ولعلي ألقى الله في هذه الليلة، وتوفي من آخر الليل ٩ رجب رحمه الله وعفا عنه.
وكان يكثر البكاء في آخر عمره ويذكر الرعيل الأول والسلف الصالح حتى لحق بهم وتوفاه الله على حالة طيبة.
خلف ابنين أحدهما عبد الله كان رجلًا طيبًا وذا أخلاق كريمة، تولى إدارة
(١) العالم: واحد العلماء من أهل الدين والمعرفة، والحلتيت: عقار شعبي مر الطعم، كريه الرائحة.