سليمان بن علي المقبل، وكان يقيم آنذاك في البصر، فاذهبوا إليه واطلبوه أن يكون قاضيًا لكم، فذهبوا إليه فلم يمانع ولم يستجب حتى استشار شيخه قرناس الذي أخبره أن القضاء الآن متعين عليه لأنه لا يعلم وهو الذي يعرف طلبة العلم في القصيم من هو أولى بأن يكون قاضيًا هناك غيره.
فصدع ابن مقبل بالأمر، وجاء إلى بريدة قاضيًا، وجلس للناس في بريدة، وكما هو معروف، بأن قرى وخبوب نواحي لا يصل إليها الماشي على قدميه، ليس عندهم قضاة فكانوا يحضرون إلى الشيخ ابن مقبل على ركايبهم فينيخونها عند بابه، وهذه علامة طلب الضيافة لأنه لا توجد في ذلك الوقت مطاعم ولا مخابز ولا فنادق.
فكان الشيخ يضطر إلى استضافة المتخاصمين الذين يأتون من تلك القرى البعيدة عن بريدة، وبعد فترة رأى فيه أهل بريدة القاضي العادل والرجل العاقل النزيه فازدادوا محبة فيه، وتمسكًا باستمراره قاضيًا عليهم، ولكنه ليس كذلك فهو من ناحية عمل القضاء وعلاقته بالناس مرتاح ومطمئن إلا أنه من ناحية المالية ليس كذلك، فقد انفق ما عنده وما كان يصل إيه من تخلهم في البصر حتى لحقه الدين، لأنه ليست للقضاة رواتب في تلك العصور.
فغادر بريدة من دون أن يخبر أحدًا بقصده، وذهب إلى شيخه قرناس في الرس وأخبره بالواقع، فقال له قرناس: اذهب إلى البصر وأتركهم حتى يأتوا إليك.
وجاء أعيان جماعة أهل بريدة إلى الشيخ ابن مقبل في البصر يطلبون منه أن يعود إليهم، فذكر لهم أن نخيله وأهله في البصر تحتاج إلى عناية، وأنه قد يبقى في البصر، ولكنه لم يردهم ردًّا واضحًا مما جعلهم يركبون إلى الشيخ قرناس في الرس يطلبون منه أن يستعمل نفوذه لإعادة الشيخ ابن مقبل لهم.