فقال الشيخ قرناس لهم: الرجل لحقه الدين عندكم، ولا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك فإذا أردتم أن يعود إليكم فافعلوا فعلًا يكون له ولقضاة بريدة من بعده، وذلك أن توقفوا أوقافًا على إمام جامع بريدة والقاضي هو إمام الجامع، تكون فيها مساعدة للقاضي وليست للقاضي ابن مقبل وحده، بل لأي قاض آخر يأتي بعده.
وقد رأي أهل بريدة ذلك رأيا صحيحًا فانتدب منهم ثلاثة رجال، ... وبدؤا بالصباخ جنوب بريدة، وكان مزدهرًا وكثير النخل والمزروعات الأخرى فكانوا يسألون ملاك النخل بعد أن يشرحوا لهم الأمر بأن (جامع بريدة) ليس عليه أوقاف أن يعينوا مبلغًا من التمر في أملاكهم من النخيل بمثابة الوقف على إمام الجامع.
قالوا: فكان الناس يسارعون في ذلك.
وبعد الصباخ ذهبوا للخبوب القريبة من بريدة، ولم يذهبوا إلى البعيدة ولا إلى القرى لأنهم وجدوا أن تجاوب ملاك النخيل القريبة من بريدة كان كافيًا فكان بعضهم يوقف نخيلًا بعينها، كان يقول الرجل الذي يملك حائطًا من النخل: إن النخلة الفلانية أو النخلات فيه ريعها وقف على إمام الجامع، وأحيانًا يقول بعضهم: إن في نخله مائة وزنة أو أكثر للمسجد الجامع حتى اجتمع من لك شيء كثير أرضاهم.
قالوا: فلما فرغوا من النخيل وتمرها اتجهوا إلى المزارع التي تزرع الحبوب كالقمح والشعير والذرة وأكثرها في شرق بريدة وشمالها كالنقع والحافة والمتينيات والوطاة فوجدوا التجاوب العظيم الذي لم يكونوا يظنونه من أهلها.
وكان من عادتهم في مزارع الحبوب أن تكون على قلبان - جمع قليب - تكون حولها حقول وأراض صالحة لزراعة الحبوب، وكان صاحبها إما أن يزرعها بنفسه، أو يعطيها لمن يزرعها بما يشبه الإجارة، كان يقول: إنه يؤجرها له بجزء مما تنتجه من الحب كالربع أو الثلث أو الخمس ويسمون ذلك