للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السخاء من التصريح والإلحاح.

وقفت إمرأة على باب قيس بن سعيد، وقالت له: أشكو إليك قلة الفأر في بيتي، فقال: ما أحسنَ ما وَرَّت عن حاجتها، املؤوا بيتها خبزاً وسمناً ولحماً.

وأما معالجة حالة الفقير العاجز عن الكسب من ناحية الموسرين، فباحتفاظ هؤلاء بآداب هي التي تجعل أيديهم العليا خيراً من الأيدي التي تناولت منهم العطاء.

ومن هذه الآداب: أن يبادروا إلى إغاثة الفقير ساعة يشعرون بحاجته، ولا يدعونه إلى أن يتجرع غصة السؤال بتصريح أو تعريض.

زار رجل من أشراف أهل المدينة عمرو بن سعيد بن العاص، فإذا كمُّ قميص هذا الرجل قد ظهر من تحت جبته وبه خروق، فلما انصرف، أرسل إليه عمرو بن سعيد بضعة آلاف من الدراهم، وعشرات من الثياب، فأثنى الرجل على عمرو بأبيات يقول فيها:

رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلَّتِ

والمحسن بحق يجتهد في أن يواصل المحتاجين وهو يخفي نفسه؛ حتى لا يعلموا من أين جاءتهم الصلة. "كان أناس من المدينة يعيشون، ولا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات زين العابدين علي بن الحسين - رضي الله عنه -، فقدوا ما كانوا يؤتون به من الليل، فعلموا أنه هو الذي كان يواصلهم بذلك الإحسان".

والمحسن بحق يبذل المعونة للفقير، وينسى أو يتناسى ما بذل، حتى لا يجري على لسانه وتعلمه نفس غير نفسه، وإلى هذا الأدب السامي يشير