سبيلاً لا يحيد عن السير في مناكبها. ولئن لم يلتقط الناظر منها درة علمية فائقة، فإنها لا تخلو من أن تنبسط له بملحمة أدبية رائعة، وإليك التحرير: سنح لي باعث الرحلة إلى بلاد الشام، وهو زيارة الأهل وفاءً بحق صلة الرحم" ..
وقال يخاطب ربان السفينة وقائدها:
حادي سفينتنا اطْرَحْ من حُمولَتها ... زاد الوقود فما في طرحِه خطرُ
وخُذْ إذا خمدت أنفاسُ مِرْجَلِها ... من لوعة البينِ مقباساً فتستعرُ
ثم يقول: وإني لأدرك في مثل هذا الموطن دقة نظر إمام الحرمين (عبد الملك النيسابوري المتوفى سنة ١٠٨٥ هـ) حين قيل له: لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحبة.
وقد لاحظنا هنا أن بعض من أرَّخ لهذا الرجل ذكر أن سبب رحيله هو إخفاقه في المناظرة بسبب حيفٍ ناله من ممتحنيه، وهذا غير صحيح؛ لأمور، منها:
أ - أن الشيخ خرج من تونس لزيارة أهله وإخوته بسورية وفاء بحق صلة الرحم؛ كما ذكر هو نفسه.
ب - أن الشيخ لما ألف كتاباً في الردّ على الشيخ علي عبد الرازق، وضع مقدمة قال فيها:
"رأيت -وأنا بتونس- أن القيام بحق الإسلام يستدعي مجالاً واسعاً، وسماء صافية، فهاجرت منها والعيشُ رغيد، والأمة في إقبال، والإخوان في مصافاة، وأنزلت رحلي بدمشق الشام، فمدت لنا الأيام في الأمل ظرفاً، فإذا رحى الحرب العالمية تدور، وحامل رايتها يُنجد ويغور. وبعد أن وضعت