للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الفُضيل الثاني، وأرسل إليه هدايا وتحفًا فردها، وقال للرسول تجدون لها أحوج مني، وذلك ورعًا منه.

ولما وصل الملك إلى القصيم ثانية قرع بابه فقال لهم افتحوا له، وقدموا له القهوة وقولوا له إني نائم، فقالوا ذلك فقال سأنتظره حتى يستيقظ، فصعد إليه ابنه وقال يا أبتي إن الملك في منزلك وأمره مطاع وله حق واجب فنزل وهو يرتعد فلما صافحه الملك انعجم لسانه عن الرد واستمر ينتفض كما ينتفض الطير، ولما سكن روعه أخذ في وعظ الملك وتخويفه من الظلم وتذكيره سيرة الخلفاء مع الرعية وحثه على العدل وتنفيذ ما أوجب الله عليه، هذا والملك منصت له ساعة ويبكي فلما خرج من عنده بعث له بصلة مع الشايقي عبارة عن كسوة ونقود وتحويل على المالية بمأكول فأبى أن يقبل منها شيئًا.

وحدثني بعض تلامذته بأنه لا يأكل أي شيء فيه شبهة، وكان يعتمد بعد الله على مغلة الزراعة وله بستان غرس فيه نخلًا وكان يتولاه بنفسه، وكان إذا أخذ في التلاوة لا يتمالك نفسه من البكاء، وإذا خطب أو وعظ بكى وأبكى من حوله، وكان إمام الجامع في البكيرية وخطيبه والواعظ فيه منذ أن تولى القضاء فيها بعد عزل حمد السليمان البليهد عنها في عام سبع وأربعين من الهجرة،

وتعين محمد بن مقبل خلفًا له.

وكانت القرى المجاورة للبكيرية تتبعها وظل في قضائها وإمامة جامعها والخطابة فيه وكذا الوعظ والتدريس إلى قبيل وفاه حينما طعن في السن وأرهقته الشيخوخة، ففي شعبان من عام ستين من الهجرة صدر الأمر الملكي بتعيينه قاضيًا بعنيزة وإعفاء الخال عبد الله بن مانع من القضاء، وبعث الملك ساعيًا إليه برسالة، وفيها لقد عيناك قاضيًا في عنيزة وجعلنا مكانك عبد العزيز بن سبيل في البكيرية، فلما قرأ كتاب الملك قال الحمد لله على السلامة من ولاية قضاء البكيرية ولا بعد الثمانين قضاء، وحاول الأهالي مع الملك تثبيته ولكنه صمم على الإستعفاء.