لقد ترعرعت في منطقة القصيم وسط السعودية، وبعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة وخطوت نحو سن البلوغ رافقت ميولي الفطرية نحو الإناث، طقوس الإفصاح عن سر اجتماعي بالغ الرسوخ وشديد الإحكام والنفاذ، يواري أحيانًا ويعلن تارة أخرى، فأحدثت لحظة اكتمال وعيي بتلك الأعراف الاجتماعية المفصحة عن تمايز أبناء العوائل المتجاورة في أصولها استغرابًا واندهاشًا، واستحال ألمًا عميقًا بعد ان تكررت على مسمعي في مجالس الأصحاب شتائم متبادلة أطلق فيها العنان لكل ذلك المخبوء المكبوت من التصورات التي يحملها كل طرف عن الآخر، المشبعة بالفروق بين أبناء القبائل (الشيوخ) وغيرهم من (الخضيرية) و (العبيد) وأن ثمة تمايزًا بين الفئتين في نمط العيش في بيوتهم، وتدبير المال وادخاره، وعذوبة الصوت وقبحه، وعفة النساء، و (سماحتهن) والمهن التي يزاولها أبناء كل فريق.
وكشفت لي تلك الشتائم عن صندوق الأعاجيب الذي أحكم لجمه ومواراته خفر منبعه الدين، وتقاليد اجتماعية أحكمت ونام المجتمع الصغير الذي يحكمه الاقتصاد ويملك زمام أمره عصبة التجار المختلطة ممن صبغوا مدينة (بريدة) وغيرها عبر عشرات السنين بتلك الروح التنافسية على المجد، حيث ذبلت أوهام مجد القبيلة وشرف الانتساب إليها، وتقهقرت منكسرة أمام مجد الذهب والفضة وسطوتها.
وعلى مشارف الثانية والعشرين كنت قد صرفت النظر عن أحلام راودتني بالارتباط ببعض من فتيات مدينتي اللواتي ينتمين إلى عوائل ذوات امتياز قبلي ونسب متسلسل بعشرات الآباء، ممتد إلى إسماعيل بن إبراهيم أبي الأنبياء الأعجمي، بينما لم أكن أحفظ من سلسلة نسبي إلَّا ثلاثة من الآباء، إنضاف عليهم ثلاثة آخرون شرفت بمعرفتهم السنوات الأربع الماضية، لكن معرفتي بتلك المواضعات الاجتماعية لم تكن لتمنحني الوعي العميق لكشف تلك