الغشاوة الرقيقة التي تواري تحالفا وثيق العري بين القبيلة والدين الذي يشكل القضاء صورته المجسدة، وواقعيته بمأساويتها، ويستمد قوانينه وأسسه من الشريعة الإسلامية في بلد يفاخر أنه الوحيد الذي يلتزم بحرفية تعاليم القرآن وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن ما يبعث على التفاؤل أن محاميًا مناضلًا مثل عبد الرحمن اللاحم وهو يتولى منذ سنين الترافع في مثل هذه القضايا يعلن أنه لن يستسلم، بل سيواصل معركته دفاعا عن الحقوق المنتهكة، يتضامن مع اللاحم عشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والكتاب، تتضافر جهودهم اليوم لإيجاد تشريع يحول دون تكرار مثل تلك الأحكام القضائية المخجلة التي تمنح الرجل وحده من دون المرأة حق تطليق أخته أو بنت عمه من زوج أحبته ورضيت به بسبب التفاوت القبلي.
وجاءت ثمار إصرار اللاحم وجهوده بإعلان خجول من وزارة العدل مؤخرًا أنها بصدد إصدار قرار يحول دون رفع دعوى تفريق بين زوجين متراضيين إلَّا بطلب من أحدهما.
لم يكن القضاء يجرؤ على إصدار أحكام تفريق قائمة على التمايز العنصري أو التفاوت القبلي، طوال فترة حكم الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، ولكن انبعاث النعرات القبلية عقيب حرب احتلال الكويت عام ١٩٩٠ م، وازديادها بشكل طاغ تمثل في مجاميع سنوية يعقدها أبناء العوائل المتحضرة من ذوي الأصول القبلية، يتم فيها التحقق من صحة أصول بعض المنتسبين إليها، وإنشاء صناديق خيرية تقصر الاستفادة منها على أبناء قبيلة من دون غيرها، رافقه انبعاث للشعر الشعبي الذي يعبر عن أحلام تلك القبائل ويحكي أمجادها ويستعيد أصوات صيحات غارات النهب والسلب في العصور المظلمة قبل تأسيس المملكة الثالثة على يد الملك عبد العزيز.