مميت في العراء .. فأي مصير مجهول ينتظر أولاده النائمين؟
لا بد أن تنام أو تموت! لا بد أن تتناسي صوت سقوط البيوت وهي تهوي كدوي انفجار القنابل تزلزل الأرض .. لعلك تفقد الوعي ولو لساعات قليلة أو لعل خيوط الفجر الأول تلوح .. وفي الفجر انطلق مع زوجته هاربين بالأولاد إلى مرتفع رملي خارج البلدة .. وبعد أن تدبر أمره بخيمة مناسبة ونصبها هناك، استقر بهم الحال بأمان مشوب بالحذر ..
بعد ذلك، ماذا تصنع؟ ترفع رأسك تشاهد السماء، تستطلع الساعات القادمة .. في هذه الفترات الضائعة والخالية تمامًا من العمل يبدأ الترقب .. والترقب عادة الصحراء الأزلية .. (ينتظرون ماذا؟ ) ينتظرون ما يوعدون به .. الجميع ينتظر ويترقب معجزة لم ولن تتحقق، حتى لو تحققت سوف تنقلب لعنة عليهم، ستدمرهم .. وعندما يغيرون على بعضهم كعادة الصحراء وينهبون الحلال والجمال، سيأتي في الفجر من يغير عليهم وينهب كل شيء .. هكذا قال الراوي!
وفي الفترات التي تهدأ بها الأمطار تدور أغلب المشاهد الرئيسة في السوق حيث البيع والشراء والصفقات والتحالفات والمؤامرات والدسائس والعاطلون عن العمل ومثيرو الفتن والعراك بالأيدي وتنفيذ العقوبات .. فمن سباقات الرواية: قرر أهل القرى والمزارع وجميع الرعاة أن يصلوا صلاة الجمعة في الجامع الكبير والقريب من السوق من أجل أن يتسنى لهم مشاهدة الذبح عن قرب .. وفي الجهة المقابلة للسوق يجلس المرابون كالوحوش الكاسرة يتربصون بالفريسة من الفقراء الذين تضطرهم ظروفهم للاستدانة ..
وإذا كانت رواية (الهدام) كتبت من شاهد عيان عما حدث في تلك السنة، فهي ليست توثيقًا ولا تقريرًا ولا سردا حكائيًا ساذجًا للأحداث، كما تفعل أغلب روايات هذه الأيام، بل هي زاوجت الوقائع بالخيال عبر التناول الفني العميق الفجائع المرتبطة بتلك الأحداث المرعبة، وغالبًا ما تمثل الأحداث ليس حدثها المباشر بل ما وراءها، وتمثل كثيرًا من الحالات ليس حالتها المباشرة بل