فلما وصل إلى بيته وجد العيال يبكون حيث أنهم صغار وقد خافوا وطرق عليهم الباب، وهم داخل البيت وخافوا إنه يبي يأكلهم هذا بزعمهم وهو ما يريد رفع الصوت خوفًا من الجيران، وكان على رأسه زنبيل فيه طعام وفيه لحم لأولاده، وهو تعبان وجوعان وظن أن أولاده عند جيرانه أخذوهم حتى لا يخافوا لكن ما يعرف أي جيرانه الذي هم عنده، فما كان منه إلا أنه صعد الجدار وفتح الباب بهون حتى لا يعلم الجيران حيث أن معه لحم، ودخل المطبخ وشب النار وأخذ يطبخ اللحم.
وقام الصغير من الأولاد وعظ يد واحد من إخوانه وبكى وقال: وراك تبكي يا عبد الله وأنا أبوك فسكت وعرفوا أنه أبوهم وخرجوا فرحين حيث إنهم جوعي، وخايفين لصغرهم، قالوا: لا تروح عنا غير هالنوبه، فقال: خلاص ما أروح عنكم.
وقال الكبير من الأولاد: ورا ثوبك به دم كثير؟ فقال: يمكن إنه من اللحم والدم الذي في ثوبه من الذئب، وكان والدهم الذي اسمه فهد فقيرًا جدًّا والعيال خمسة وصغار ولا يستطيع أن يتركهم في البيت ويذهب يلتمس لهم قوت فقال أبيات:
يا الله دخل وجهك عيالي مِصِغْرين ... والوقت مقعس والمخابي خوالي
لي رحت عنهم شالوا الصوت باكين ... ولالي من الأقراب عم وخالِ
واللي من الجيران مثلي مفلسين ... واللي بعيد ما دري عن حوالي
رفعت كفي والمخاليق نيمين ... للواحد الذي ما يرد السوال