زمان فشا فيه الجهل وكثر الهرج وقبض العلم وانطمست قواعد الإسلام الحقيقي بين أكثر الناس وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة، وتعلم العلم للدنيا لا للآخرة، وصارت العبادات التي ينتحلها أكثر الناس رسومًا وعادات لم يعرفوا حقيقتها، وما وضعت له.
وإن قام قائم بين أظهرهم بتجريد التوحيد والمتابعة نسبوه إلى التكفير والتشديد وأنه صاحب بدعة وإنه صاحب شذوذ ومفارقة للسواد الأعظم.
وأيضًا فليست معانيهما أهجر من معاني كلام أبي سفيان لما قال يوم أحد أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه قالوا: وما نقول قال: قولوا الله أعلى وأجل، ولما قال لنا العزى ولا عزى لهم، فقال صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
وقد مدح أحدهما في منظومته الشيخ محمد بن عبد الله آل سليم استعمله الله بالرأفة والرحمة وجعل له لسان صدق في الأمة، وكان لما رأى سكوته عنهم في أول الأمر وعدم معالجته بالإنكار عليهم لأنه لم يتبين له ما عندهم، ولم يتضح له سوء مقصدهم من أن ذلك من مناقبه وأن سكوته تقرير لباطلهم، وتحسين لإفكهم وبغيهم فلما أظهر الله طغاتهم وهد من القواعد بنيانهم أظهر الشيخ ما عنده من مخالفتهم وتبين للخواص والعوام أنه غير موافق لهم فرجعوا بعد المدح يقعون في عرضه ويغتابونه، فالله يجزيهم بما يستحقونه ويعاملهم بنقيض ما يقصدونه.
ثم بعد ذلك قدم عليهم رجل من عقيل الشام يقال له ابن عمرو قد طلب العلم في أول عمره فازدادوا به شرًّا وفتنة وكان عليهم والعياذ بالله أعظم بلية ومحنة فانخزل بكل من في قلبه نوع من الشك والريب والاغترار وعقدوا مجلسا للمذاكرة وما أشبهه بمسجد الضرار، فالله يجزي من كاد الإسلام وأهله