فيها ماء عذب، ولكنها غير مسورة فربما وقع فيها خشاش من الأرض مثل (الجعولة) - جمع جَعَل - ومثل الخنفساء، فكان الناس يكرهون ماء الثميد لهذا السبب، إذ حدث أن وجد بعضهم في مائة حشرة من تلك الحشرات، إلا أن (ابن جدعان) هذا جعل له (محقنًا) في شخَّال، يشبه المنخل يمنع وصول مثل هذه الأشياء إلى القرب التي يملأها بالماء من (الثميد) فكان ذلك مبعث فخره، ومدعاة تقديمه على غيره.
كان (ابن جدعان) المذكور صاحب بعير يسترزق عليه، ويسمى مثله (جَمَّالًا) فكان في فصل القيظ - خاصة - يجلب الماء من (الثميد) بحيث يعطيه صاحب البيت من أهل بريدة قربة يملاها، ولا أتيقن من أجرته الشهرية، ولكنني أظنها ريالًا أو ريالين في الشهر، وذلك مبلغ جيد، لأنه يحمل ما بين ٤ قرب إلى ست قرب على بعيره في المرة الواحدة.
وكان الناس يسارعون إلى ماء الثميد لعذوبته يتطلبونه في القيظ، أما في غير فصل القيظ فإنهم كانوا يشربون الماء من آبار في (الصقعا) التي هي الآن جنوب شارع الخبيب بمحاذاة المقبرتين اللتين تقعان إلى الشرق من الشارع، لأن الناس لا يضطرون إلى شرب كثير من الماء في الأوقات الأخرى.
ولذلك تكسد صنعة (ابن جدعان) هذه في غير القيظ فيتحول إلى مهنة أخرى مثل جلب الحطب على بعيره.
وعلى ذكر ماء الثميد فإنه كانت له منزلة كبيرة عند الناس غير أن فيه (عَلقًا) في بعض الأحيان - والعلق - جمع علقة، وهي دودة حمراء اللون إذا شربها الإنسان مع الماء تسربت إلى حلقه وعضته وصارت تمتص الدم منه وتتضخم، وإذا انفجرت كان خطرًا عليه.
لذلك كنا نشرب الماء الذي يحتمل وجود مثل هذه العَلق فيه من خلال طرف الشماغ، لأن العلقة لا تنفذ من نسيج الشماغ.