أريد أن أفضي ما في صدري من بكاء، ولا أريد أن يراني أو يسمعني أحد وأنا أبكي، وأنا في طريقي إذ لحق بي رجل فسلم عليَّ ودس في يدي مجموعة من الدراهم، فقلت: لمن هذه يا عم؟ قال: لك هدية، فقلت له: من أنت؟ قال: خذها واشتر لأولادك بها طعامًا ولا داعي لأن تعرفني.
يقول الرجل في تكملة سالفته: فما كان مني إلا أن دعوت له بما ألهمني الله من دعاء، فرجعت مسرعا إلى بائعي العيش واشتريت عيشًا من جار الرجل الذي طردني أولًا ودفعت له حسابه فورًا، ورفعت له صوتي لأسمع الذي أبى أن يبيعني قبل قليل وأنا أقلب الدراهم بيديَّ ليراها ذاك البائع.
فذهبت إلى أهلي وعملنا طعامًا وشبعنا، والحمد لله.
فلما كان من الغد ذهبت كالعادة إلى السوق، فإذا الرجل الذي أعطاني الدراهم جالس مع مجموعة من الرجال، فسألت أحد المارين: من يكون ذاك الرجل الجالس؟ فقال المسئول: ألا تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا أبو المساكين، عبد الله بن سليمان الجربوع، فعندما رأيت هذه النعم التي بين أيدينا الآن، تذكرت ذاك الموقف، فاللهم أدمها من نعم على بلادنا!
أما الموقف التالي لأبي سليمان، عبد الله الجربوع، فقد رواه لي الزميل محمد بن عبد الكريم الجربوع، يقول فيه: كان عبد الله بن سليمان الجربوع في السوق جالسا مع مجموعة من الرجال، إذ مر بهم سائق سيارة، الذي ينقلون الركاب ما بين بريدة وبلدة الشماسية، وكان يسمى في ذلك الوقت (البريد)، فوقف هذا السائق عند هؤلاء الرجال وسلم عليهم وردوا عليه التحية وذهب، قال أحد الجالسين: الله يرزق هذا السائق، فهو مسكين ضعيف، بيته ممتلئ بالأطفال وسيارته خردة، قديمة كثيرة العطل، سمع أبو سليمان عبد الله الجربوع هذا الكلام.
فلما كان من الغد ذهب أبو سليمان إلى هذا السائق في محطة جمع الركاب، سلم عليه أبو سليمان، وقال له: خذ هذا الخطاب وأعطه - فلان -