إلى الله تعالى قد كفر ذنبه، وهم منا إليك هدية وليس في قتلهم علينا ولا عليك عار ولا ازر ولا خطيَّة، فجرد عليهم صارمه وبأسه وأسقي كلًّا من طرف الحمام كاسه، فلبس من الخزي لباسه، فقتلهم حين جاءوه صبرًا فنال من مولاه ذنبًا وازرًا، وحقق الله تعالى لأهل الدين شهادة وأجرًا.
فلما استقر في تلك الفجاج الفسيحة الواسعة مع تلك الجيوش والأسلاف الهايلة المنيعة لبس أهل الشر والفساد وأهل الشقاق والنفاق والعناد من أهل تلك الأوطان والبلاد ملابس السرور والفرح، وزال عنهم ما كان في قلوبهم من الهم والأسا والترح وجاءت منهم جموع وأجناد وأنصار وأمداد.
ولما نزل بذلك المحل عجل الله لأناس من جماعته الأجل فبادروا إلى بريدة في الإسراع قالوا: همنا حصول الأطماع، فلم يؤب إليه منهم إلَّا الأقماع، فداخله الرعب والارتياع، حين أرسل إلى بريدة يريد الخيانة فأرسلوا إليه تلك الرؤوس وقالوا هذه ضيافته لشيمة الإقامة والجلوس، فتشيط غيضًا وغضبًا وإلى إن ظفر بأهلها أن يقطعهم إربًا إربًا، وشمر إلى أهلها في المنازلة، وكانت منه إليها معاجلة، ولم يحسب أنها تبقى إلى أمد بعيد فضلًا عن كونه يرجع عنها ولا يفيد، بل جزم أنها مفتوحة عن قريب، وأن سعيه لا يضيع ولا يخيب، فآب أول يوم للمنازلة بالخيبة والحرمان، والقتل والذل والهوان، وقتل جماعة من قومه في ساعته تلك لا يومه.
ثم عاود الحملة يومًا آخر على السور فرجع منقوصًا موتور، وقتل من أولئك الحمر السود كل من رام الهدم للسور والصعود، بقيت قتلاهم لا تنقل ولا ترفع للدفن، ولا تحمل، بل بقي غالبهم ملقى مهمل، غير أنهم صاروا للعاويات (١) مائدة، فهي إليهم تلك الأيام كل حين قاصدة، وصادرة وعايدة.
(١) يريد بالعاريات السباع الضارية كالذئاب والضباع.