للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبقي أيامًا حائرًا متندمًا ثم أجمع رايه وعزمه محققًا مصممًا، أنه يسوق عليهم جميع الآلات والخلق مزدحمًا ويلجها بعد هدم بروجها وأسوارها مقتحمًا وأنه يعاقب من الجيوش من لم يره متقدمًا، فنهض إلى إنجاز ذلك العزم وانفاذ تلك الهمة والحزم، وبادر على تؤدة من الصباح متيمنًا، بالبكور في النجاح وحصول الأرباح، فأقبل بكيد عظيم مهول يحق للألباب عند رؤيته الإزالة والذهول، فصبر أهل الدين وصابروا، وجد أهل الباطل وكابروا، وراموا اقتحام البروج والسور وهدم تلك الحصون والقصور، والهجوم على أهل تلك الدور، فثبت الله لأهل الحق القلوب ولم يكن أحد منهم بمذعور ولا مرهوب.

فرجع سعدون ولله الحمد مذعورًا مرعوب، مهزوما مغلوب، وما أغنى عنه ذلك الكيد شيئًا، وكانت له الذلة والمقتلة فيئا.

ثم بعد ما صدر منه ما صدر وجرى منه ما تبين وظهر عض من الغيظ الأنملة، حيث لم يرجع بما كان أمله، وبقي على أفعاله السالفة وقضاياه التي هي للشرع مخالفة متحسرًا متأسفًا. فتفاوض مع أولئك الرؤساء الذين هم لا يزالون عنده جلساء، فيما يدفع عنه الهم والحزن والآسى.

واتفق الرأي السديد الجامع والأمر الذي هو المراد قاطع وللعدوان مذلة قامع وللمقاتلة مزعج وادع إنك إن نصبت لأجل هدم السور مدافع ويأتي لها بحكم ومدافع، فلا يبقي لأهل البلد عن ذلك دافع، ويصير لك معاند ومشاقق متابع، ولحكمك منقاد طايع، فأجابهم أن هذا هو الرأي السديد وسينجز هذا قريبًا غير بعيد، فشرع في أسباب ما كان لهم به مجيب، وإنجاز ذلك الأمر الذي هو في زعمهم صايب مصيب.

وجمع له أهل تلك الأوطان من جميع البلدان من أنواع الصفر جملة وأنجزوا له في قريب مدة ومهلة فلم تمض من الأيام مدة، حتى اتفق عنده من ذلك عدة، وشرع في صبها الصانع، فكان في أحكام هبئتها طامع وأقام يعالجها