في أحكامها أياما لم ينل من ذلك مرامًا بل حاز ذلة وخيبة وأثامًا وأطال في ذلك الأمر مكثًا ومقامًا، وكلما صبها أبت وكلما أفرغها في القالب خبت، فلم يتم لها حال ولا استقامة، ولم يدرك منها مقصوده ولا مرامه، وعرف في باطنه أن لهذه شأن وأن لم يفه بذلك لسان.
وكل يوم أو غالب الأيام يجري قتال وجلاد، مع أولئك الأقوام وأهل الدين والهدى لم يبالوا بمقام أهل الردي، بل كل يوم من الحزم في مزيد ومن البأس والنصرة في تجديد، ومن الله تعالى في إعانة وتأييد، فكان حالهم عبرة من الله تعالى للعبيد، وأية يستيقنها قلب كل جبار عنيد.
وفي أثناء تلك الإقامة بنى قصرًا وأنجز اتمامه، وجعل فيه عدة من الرجال وذوي الباس في المجال، وكان موضع ذلك القصر ليس إلى الحلة إليه من سبيل فانتدب المسلمون إليه ليلًا فنالوا من مرادهم نيلًا، وقد أعلمهم أهل الإسلام إنهم يريدونهم جنح الظلام فعجلوا لهم بالأعلام وبادروهم في ذلك القصر فهدم وازيل وبقي كل من فيه مجندلًا قتيل ولم ينج منهم سوى واحد، وكان بالخبر عن قومه وارد.
وفي أثناء تلك المدة أغار سعد بن عبد الله أمير الرس مع جماعة من قومه على سارحة أولئك الأعراب فأخذوا غنم سعدون وكانت نحو أربعمائة في الحساب تسمى تلك الغنم الدغيموات كثير من غنم تلك البريات.
وفي أثنائها أيضًا عدا أهل بريدة على بيت من الشعر جعله عبد الله بن رشيد للحرب من التيه والبطر، وكان فوق النهير مشهورًا وفيه آلات للحرب وزهبه فأضحى لديهم مجرورًا وقتلوا فيه أربعة رجال ورجعوا في ضحوتهم في أحسن حال.
فلما مضت من الشهور مدة نحو خمسة في العدة، وتحقق له من مراده الحرمان والخيبة وأراد لأهله الانصراف والأوبة، عزم على اقتحام البلاد