للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان عدد الجرحى يتزايد كل يوم، وكانت غالبيتهم على وشك الموت، إما بسبب جراحهم البالغة، وإما بتأثير الطقس، وسوء وضعهم، وقد تعززت قوات إبراهيم بوصول دعم قدره ٩٠٠ رجل بقيادة البنباشي ياور علي، عوض الخسارة التي نزلت به منذ بدء الحصار، وما إن وصلت هذه القوات حتى كان إبراهيم باشا يفكر بالقيام بهجوم آخر، وعند طلوع الفجر توجهت القوات نحو المدينة: لم يسفر الهجوم عن شيء، وأجبرت بسالة المدافعين المحصورين الأتراك على التراجع، ولم تكن نتيجة هذا الهجوم أقل سوءًا من الهجوم الأمل، وأصيب ياور علي الذي كان في الطليعة مع بعض من أكثر الجنود شجاعة، بجرح بالغ.

كان فيصل، شقيق عبد الله بن سعود، يتجول في المناطق المجاورة، ولكنه لم يجرؤ على التصدي للأتراك، ومساعدة أهل الرس (١)، كان أهالي المدينة يدافعون عن أنفسهم بشجاعة، ويقومون ببعض الغارات، ولما لم تكن لديهم الإمكانيات الكافية، ولا الخبرة في فنون الحرب، فإنهم اكتفوا برد طلائع المهاجمين، والانقضاض على المدافع دون أن يسدوا ثقوبها بالمسامير لتصبح غير صالحة للاستعمال، كانوا يهاجموه أعداءهم بالبنادق ذوات الفتيلة والرماح، وحينما رأى المحاصرون ما حل بهم، فكروا بزرع ثلاثة متفجرات، ولكن المحاصَرُون أبطلوا مفعولها، ولم يبق لدى الأتراك وسيلة يعتمدون عليها سوى الهجوم بكل ما يملكون من قوة، إذا، لقد حاولوا القيام بهجوم ثالث، ولم تكن نتائجه مختلفة في فشله وخيبته عن الهجومين الأولين.

كان موقف إبراهيم باشا حرجًا لأن ثلاثة آلاف رجل من رجاله لقوا مصرعهم عند أسوار الرس؛ ونفدت ذخائره، وبدأ النقص في الأغذية، وكانت المجاعة تتهدد بقية جيشه، وعلى الرغم من ذلك كله فإن إبراهيم باشا ظل محتفظًا بموقفه الحربي (٢).


(١) لم نجد هذا الخبر لدى ابن بشر، ولا يعقل ألا يهب فيصل لنجدة أهل الرس وهو الذي كان يضرب المثل في شجاعته كما ذكرنا، (المترجم).
(٢) تاريخ الدولة السعودية الأولى - ص ١٣٨ - ١٤٤.