للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك على أية حال ربما يوضح العقلية التي كانت سائدة عندنا في تلك الأخبار أو من يقبلونها ويروجونها.

ونظرًا إلى أن الأمية كانت فاشية خلال أكثر العصور التي نسجل فيها حيوات أهل القصيم أو بعض تلك العصور فإن من الطبيعي أن تكون الأشعار العامية أغلب عند أهلها من الأشعار الفصيحة، وذلك لأن الشعر فيض الشعور واللغة أداة التعبير عنه، واللغة العامية هي التي لا يحسن أكثرهم غيرها، ولا يملكون من زمام القول وتصريفه إلَّا ما كان منها.

أما اللغة الفصحى فهم لا يفهمونها حق الفهم، أو لا يعلمون مجازاتها ومناحي القول فيها حق العلم، ولو علموا ذلك وأتقنوه لما استطاعوا أن يتيقنوا أنهم إذا قالوا ما كانوا يريدون أن يقولوه باللغة الفصحى يكون مفهومًا للعامة حق الفهم، ومعلومًا لديهم كل العلم.

فلا يكون أمامهم - والحالة هذه - سواء أكان ذلك عن روية وتفكير أو عفو الخاطر من دون تدبير أو تقدير، إلَّا نظم الشعر باللغة العامية.

والشعر كما هو ديوان العرب في الفصحى يسجلون فيه مفاخرهم ومثالب أعدائهم ومخالفيهم، فإن الشعر العامي مثل ذلك تمامًا عند من يفهمه حق الفهم، ويهضمه فكره كل الهضم.

وهو أدل على ما ذكرناه وعلى غيره مما يدل عليه الشعر بأية لغة من اللغات من الشعر الفصيح الذي لا يأتي عفو الخاطر، ولا يولد ابنًا للسليقة، وإنما يتعلمه ناطقه تعلمًا، وقد ينظمه تكلفًا.

لذلك كان تسجيل الشعر العامي وهو الشعر الوحيد لدى أكثرهم أمرًا لازمًا لمن يريد أن يسجل الحركة العقلية لدى الذين يترجم لهم من العوام وأشباه العوام.