الجمال المطلوبة في أواخر موسم الصيف ومع بداية الخريف، ومع رياح الخريف تأتي الرياح بما لا تشتهي.
مرض الشيخ علي واضطر إلى المكوث فترة من الزمن في تركيا حتى تماثل للشفاء بفضل الله وكان من عادته أن يتزين بزيه الوطني زي أهل نجد أي أنه لم يكن يلبس في قدميه غير النعال .. وأثناء عودة القافلة متجهة إلى دمشق هبت عاصفة ثلجية أغلب الظن أنها كانت قادمة من صحراء سيبريا.
استمرت العاصفة ثلاثة أيام متتالية وبلا انقطاع، وترتب على ذلك أن الجمال تفرقت في البراري، ساعتئذ جلس الشيخ على الحليسي ومعه الرعاة يفكرون كيف يجمعون الإبل الجامحة وسط الصحراء القاتلة التي فرشت بالثلج، لا، بل لقد غطاها الثلج فصارت كعجوز تسربل بثوب أبيض ناصع البياض لا يستطيع الإنسان أن يتبين الطريق الممهد من غير الممهد، بل ربما دفع السائر في هذه الصحراء في حفرة عميقة أو واد سحيق غطاء الثلج فصار مسطحًا كاملًا.
لقد كان ارتفاع الثلج فوق الأرض من متر إلى مترين فأني لهؤلاء أن يبحثوا عن جمالهم التي فرت باحثة عن المأوى حيث لا مأوى، فكر الشيخ علي في نفسه وفي رفاقه فالمال يجيء ويذهب، أما الحياة فإن ذهبت فلا عودة ولا بقاء اللهم إلا يوم أن يبعث الله الخلائق للحساب والجزاء.
فماذا صنع هؤلاء في مواجهة هذه الأحداث القاسية والطبيعة الغاضبة؟ لم يغضب لغضبها وإنما فكر ودبر وأخيرًا هداه تفكيره إلى ذبح أربعة جمال وتخليتها من أحشائها والدخول في هيكلها لتصبح كصومعة لعابد ينتظر أمر الله، حجبت هذه البطون البرد وبعثت الدفء في الأوصال، أكل هؤلاء الرجال اللحوم من بطون الجمال التي أخذوها سكنًا لمدة ثلاثة أيام، أكلوا اللحم النيئ وشربوا من الثلوج، وشاء الله وجلت قدرته أن يصل رجال الحدود التركية