كان الشيخ فهد العبيد يسكن بيتا متواضعًا من لبن وطين بني قديمًا علي النمط المعهود في نجد، وأخذ أعظم سني عمره يستضئ بالسراج ويتخذ القربة وجرار الفخار (الزير) لتبريد الماء، ولم يدخل المصباح الكهربائي بيته إلا عام ١٩٨٣ م، ولكثرة الزحام وارتفاع درجة الحرارة في مجالس وعظه تم إقناعه مؤخرًا بالسماح بالمراوح الكهربائية لتلطيف الجو بدلًا من المراوح اليدوية التي تصنع من الجريد وورق النخيل، لم يركب الشيخ فهد العبيد السيارة إلا مرة واحدة حسب ما أخبرني به في منزلي عام ١٤٠٨ هـ.
سحرت هذه الحياة ببساطتها صاحبنا عبد الكريم فاكتفى بدكان صغير في شارع الصناعة ببريدة يكفيه حاجة يومه وضرورات عيشه، أعجب الشيخ فهد بما بلغه تلميذه عبد الكريم من مرتبة عالية في التقوى والصلاح، الأمر الذي جعله يتمنى من كل قلبه أن يقبض الله إليه عبده الصالح عبد الكريم وهو علي تلك الحال من الطهر والنقاء خوفًا عليه من أن يزيغ قلبه ويضعف إيمانه بعوامل المغريات وفتن الشهوات وشرك الشبهات التي تحيط بالمؤمن من كل جهة في هذا الزمن الذي يسميه الشيخ (زمن إبليس).
اكتفى عبد الكريم بمطالعة الكتب من دون أن يلازم أحدًا من العلماء يتلقى منه العلم ويعكف على الدراسة، سوى دروس قلائل للشيخ محمد المطوع (الحميدي)، والذي كان من أكثر أهل زمانه عبادة وصلاحًا، وكان لتقواه يشبه بالفضيل بن عياض، وحرصًا منه على اتباع حياة السلف لم يأذن باستعمال مكبرات الصوت في مسجده، ولا باتخاذ المكيفات، فلما كف بصره آخر عمره وضعت المراوح الكهربائية وجعلت على أدنى درجة من الدفع حتى لا يشعر بها فيأمر بإزالتها وإخراجها من المسجد.
دام اتصال عبد الكريم بشيخه أحد عشر عامًا منذ عام ١٩٧٠ م إلى عام ١٩٨١ م، ولكن عبد الكريم الذي كان يرى في فهد العبيد أنموذج الفضيلة ومثال