القناعة، لم يكن هيكل تفكيره وقالب عقله قد صيغ بعد صياغة جديدة، ولم يكن قد قبل الكسر والذوبان في قناعات شيخه، ذلك الخلاف الذي كان أكبر المفاصل في حياة صاحبنا والذي كان له أعظم الأثر في تلك الأطوار اللاحقة في فكره، وما زالت تداعياته تلقي بظلالها إلى اليوم على حياته.
وجد عبد الكريم في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الله خلق الأرض كروية الشكل ونقلا إجماع أهل السنة على ذلك، ولكن شيخه اعتبر ما نقل عنهما بدعة محدثة في الدين، وأصر على أن ما وجده تلميذه في كتب الإمامين ما هو إلا كلام مدسوس عليهما وهما مبرآن من كل ما نسب إليهما، بل الأرض مسطحة غير كروية كما ذكر السيوطي في تفسير الجلالين.
تمرد التلميذ على الشيخ وأبى أن ينصاع وشغب عليه في مجالسه ودروسه، فلم يكن من الشيخ إلا أن أعلن براءته من صاحبنا ومن يقول بقوله ودعا إلى مقاطعته ونبذه هو ممن جالسه أو اتصل به فأطاعت الأغلبية العظمى من أتباع الشيخ ولبت نداء زعيمها، وابتدأت محنة القول بكروية الأرض! .
يسأل الواحد عنها فمن أجاب بكرويتها نبذ وأعلنت البراءة منه في مجالس الشيخ، ومن توقف الحق بالقائلين بكرويتها، ومن قال بسطحيتها أبقي عليه، وقد كنا نشبه هذا الخلاف وما جره من انشقاقات وخلافات على الجميع بمحنة خلق القرآن، وظل صاحبنا وحده ولم يلق أي تأييد أو مناصرة له مما زاد في عزلته وعذابه وغربته، فألف قصيدته النونية التي أشار فيها إلى خذلان بعض أهل العلم له مع معرفتهم بأنه على الحق، والتي يقول فيها:
كم كاتم للحق يعلم أنه ... يوم القيامة ليس ذا إحسان
ألف عبد الكريم كتبًا كثيرة ومنها بعض الكتب التي تناول فيها ظواهر كونية وكشوفات جغرافية، كدوران الأرض، والصعود إلى القمر، ونزول المطر من