له مسكنًا من لبن وطين بناه بمشاركة بعض الشبان المعجبين بشخصيته والمتأثرين بأفكاره، ولم يرتض شيئا من وسائل النقل الحديثة واكتفى بركوب الحمار ثم الحصان مؤخرًا، وأخذ ردحًا من الزمن ينسخ لقاءات وحواراته بألة نسخ يدوية حتى تم إقناعه أخيرًا بجدوى الطباعة الحديثة.
ومذ ما يزيد على ٧ سنوات وهو منعزل في مسجد لا يصلي فيه إلا من رضي بشرطه (أن لا يكون معه أي ورقة تحمل صورة الإنسان أو حيوان حتى وإن كانت البطاقة الشخصية).
فضل صاحبنا العزلة عن الناس لأنه رأى البشرية اليوم تهوي في مكان سحيق من الرذيلة ويموج بها محيط متلاطم من المغريات والشبهات، ففي هذا الغروب الشامل وقد قاربت الدنيا على النهاية وقرب (زمن خروج الدجال) تكونت قبسة الضوء الوحيدة هي وصف الغروب والشهادة عليه، ينتظر مع مغيب كل شمس أن يسدل الستار على حياته متلهفا ضارعا إلى الله أن يتقبله في الصالحين.
وقد هم بعض الشباب الذين عرفوا عبد الكريم وصحبوه مدة من الزمن أن يعيشوا هذه الحياة البسيطة، ولكنهم نسوا أنها قاسية رهيبة إذا قيست بالأحلام التي يحلمونها عنها، ظنًّا منهم أنهم يؤدون دورًا على مسرح تراهم فيه الأبصار وتمدحهم الألسن ثم ينتهي سريعا، ولم يكن الأمر كذلك!
إن مثل هذه الحياة التي يعيشها عبد الكريم منذ ٢٠ عاما تقتضي صبرًا وجهدًا وتتطلب شجاعة أكثر من الشجاعة التي تتطلبها التضحية بالحياة، تتطلب منك أن تموت أولًا لتعيش تلك الحياة! !
فإذا استهوتك هذه الحياة وأسرتك ببساطتها فلتعلم أن عزف الحياة على هذه السيمفونية حكر على صاحبنا وحده، وأنها إذا كانت حبل النجاة له، فإنها مقصلة لا تعرف الرحمة لمن يحاول أن يعزف على تلك الوتيرة.