(إذا كان الإنسان قد يمر بتجربة المرض حتى ملامسة الموت أو حتى الإبحار ببعض شطآنه ثم العودة مرة أخرى من هناك ليعود بتجربة نادرة ونظرة جديدة إلى الحياة) فإن عبد الكريم قد أبحر ثم عاد بلا جديد، لقد كان ينتظر فطال الانتظار، وكثيرًا ما سمعته يقول لنا (والله لا أحد بأسعد مني اليوم بالموت، وأي شيء أريده في هذه الدنيا! ! ) وإذا ما الم به مرض، أو وعكة تلزمه الفراش يستبشر بأنها آخر أيامه، ويروي ما رآه هو أو رؤي له من منامات في ذلك.
٢٠ عامًا وصاحبنا يعيش حياته التي رضيها ووجد فيها راحته وطمأنينة نفسه، بيد أنه لم يكن بمعزل عما يدور من أحداث ويطرأ من تغيرات على الساحة المحلية والدولية، وكتبه التي جاوزت العشرين والتي تبحث - علي غرائبية بعضها في شتى القضايا الفكرية والاجتماعية والتربوية - أصدق دليل على ذلك.
وأغلب مصادر المعلومات لديه هي ما يزوده بها أصحابه وزائروه، إضافة إلى الجرائد التي تقع بيده، والتي يصادفها كثيرًا في طريقه.
أذكر أنني لم أعلم بنتيجة مباراة السعودية مع هولندا في مونديال أطلنطا عام ١٩٩٤ م إلا منه بعد أن انصرف من الصلاة واستقبلنا بوجهه ليزف إلينا بشرى هزيمة المنتخب السعودي! .
إضافة إلى تلك اللقاءات والجدالات والردود التي تدور بينه وبين موافقيه أو مخالفيه والتي كثيرًا ما تنتهي بمطالبته لهم بالمباهلة (أن يدعو كل واحد منهما على مخالفة بالهلاك إذا كان مبطلًا) إلى تلك التوترات التي شكلت معطيات فكرية ووجدانية غنية، كان يتفاعل معها ويتأثر بها، لكي تتيح له ذلك التحول الذي انتقل معه من طور إلى طور آخر.
وأخيرًا، لو استعرضنا حياة عبد الكريم اليوم وقد جاوز الستين عامًا لكانت