وآخرون قالوا لي، ومنهم أناس من ذوي الأنساب المعروفة: لماذا تذكر الأنساب؟
وهل لها قيمة في هذا الزمان الذي يبتعد فيه الناس في بلادنا عن حياة البداوة إلى حياة التمدن؟ وقد أخذ التعليم ينتشر في الناس حتى في أوساط النساء.
فصار الأثر والأهمية فيه هو لجهود المرء الشخصية، وصارت المكانة في الوظائف والأعمال مبنية على الأهلية، وصار النسب - تبعًا لذلك - لا قيمة له، وأنت ترى الأنساب في مدن الحضارة الكبيرة لا أهمية لها، وقد تناساها الناس حتى نسوها.
فأجيبهم بأن ما ذكرتموه وحاولتم أن تجعلوه مانعًا لي من ذكر الأنساب في هذا الكتاب هو في الحقيقة مقتض وليس مانعًا، فلولا ما ذكرتموه من استهانة الناس بالأنساب في الوقت الحاضر؟ ومن أن الأنساب قد أصبحت ليست لها أهمية عند كثير منهم لما حرصت على ذكرها.
ذلك بأنها الآن تمر بمرحلة بين مرحلتين هما مرحلة الاهتمام بها لما لها من أثر على حياة الشخص ونسله، لأن أهل نجد وربما أهل البدو أو الحضر القريبين من البدو في العادات والأعراف كانوا إذا ضيم أحد منهم استنجد بجماعته ففزعوا له وفرجوا عنه كربته وأبعدوا عنه ضيمه.
وكان بعضهم إذا ركبه دين، أو تحمل حَمالة وجد في أبناء قبيلته من يشاركه ذلك الحمل.
والمرحلة الثانية التي لم يحن بعد وقتها آتية بدون شك ما لم تحدث أمور غير متوقعة قد تعود بالجزيرة العربية إلى سابق عهدها من شظف العيش والعزلة عن العالم الخارجي.
وتلك المرحلة هي مرحلة إهمال الأنساب بل الهزء والسخرية ممن يتمسك بها، إذ سيكون المجهود الشخصي وعلاقات الصداقة الفردية هي التي