للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحين أصبح الناس في منطقة القصيم، وأشرقت الشمس، وشاع نبأ وفاته، أقبلوا للصلاة عليه، من كل قرية وهجرة، وكانت جنازته، والصلاة عليه، وتشييعه يوما مشهودا ما شهد الناس شبيهه، فقد أديت الصلاة عليه في مسجد العيد الكبير ببريدة، وازدحم المسجد الواسع بخلق كثير، وجمع غفير، وبكاه الناس، وذكروا سيرته بالخير، وأثنوا عليه بما هو أهله، ودعوا له بالمغفرة والرحمة والرضوان.

لقد كان الشيخ (الخريصي) تغمده الله بواسع رحمته، أحد العلماء الصالحين المصلحين، الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان قاضيا عدلا نزيها، حريصا على إصلاح ذات البين، محبا للفقراء والمساكين، عطوفا عليهم، وكان زاهدا في الدنيا زهادة القادر لا زهدة العاجز، كثير المكث في مسجده، تاليًا للقرآن، ذاكرا للرحمن، مُسبحًا بحمده، وكان جهوري الصوت في قراءته ووعظه، لقد كانت سيرته أكثر تأثيرا في القلب من لسانه، وكانت أعماله أبلغ وأفصح من أقواله، لقد رحل عن دنيانا، لكن سيرته الحميدة وأقضيته العادلة، وذكراه الجميلة، في ذاكرة الأجيال التي رأته وسمعت منه، وتعلمت عنه.

لقد نشأ - رحمه الله - في أسرة متدينة، وبيئة صالحة، يُحدثني الأستاذ (علي بن عبد الله الحسين) عن أحد إخوان الشيخ: أن الشيخ (الخريصي) كان في صباه، صالحًا متعبدًا، وحين كان عمره تسع سنوات بعثته والدته لخراف التمر من إحدى المزارع، فاستبطأته، فأرسلت في أثره أخاه الكبير، فوجده في عرض الطريق، قد ألقى (مطحن) الخراف، وقام مصليًا .. !

وقال لي الشيخ علي بن عبد الله المشيقح: كان والده تاجرًا، محبا لأهل الخير حريصا على تنشئة أولاده تنشئة إسلامية، وتولى أحد أبنائه إمامة مسجد الخريصي الواقع قبلة جامع بريدة الكبير، ولما توفاه الله، خلفه أخوه، ثم لم