يلبث أن لحق بأخيه، رحمهما الله، فلما طلب الشيخ (صالح) لإمامة المسجد، رفضت والدته، فأقنعها الشيخ عمر بن سليم - رحمه الله - فتولى الشيخ إمامة المسجد والتدريس فيه ابتداء من عام ١٣٥٣ هـ، وكان قد ترك حرفته التي يسترزق منها، وتفرغ لطلب العلم، فمر بحالة شديدة من العوز والحاجة.
وقال لي الشيخ علي العبد الله المشيقح: كان الخصم إذا أساء القول علي الشيخ في مجلس القضاء، يأتيه من غدٍ في الجلسة التالية، فلا تجد الشيخ قد حمل عليه غلًا أو أضمر حقدًا.
وحدثني ابنه الكبير الشيخ (سليمان) قال: (جلس والدي للقضاء في بريدة عام ١٣٦٠ هـ نيابة عن قاضي القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وكان أول وقته يقضي في منزله، الصباح وبعد العصر، وأذكر أنه أنهى إحدى عشرة قضية بعد صلاة العصر، وربما جلس في ضحوة عيد ليحكم بين خصمين متنازعين).
لقد كان - رحمه الله - زاهدا في الدنيا، بسيطا في ملبسه ومسكنه ومركبه لا يتأنق بها ولا يختار لها، وكانت الدنيا لا تُذكر في مجلسه، وقلَّ أن يرى إلا ومصحفه بيده، أو يقرأ القرآن عن ظهر غيب، وكان قلَّ أن يفارق مسجده، فبعد قضاء الصلاة، وانتهاء درسه، يمكث في خلوة المسجد، تاليًا للقرآن ذاكرًا لله، وربما دخل عليه، صاحب حاجة من حوائج الدنيا، وبيده ورقته، فيضع عليها الشيخ ختمه وهو مواصل قراءته لا يقطعها! وكأن لسان حاله يقول: إن التجارة مع الله، هي التجارة التي لا تبور، وهي خير وأبقى.!
لقد كان أحد العلماء الكبار، الذين صغرت الدنيا في أعينهم، وأفنوا أعمارهم في سبيل الله، وأبلوا أجسامهم في طاعة الله، لقد زهد بما في أيدي الناس، فأحبه الناس، بذل العلم والنصيحة والدعوة والعدل، وسد ثغرة زمنية ومكانية، قام فيها مقامًا صالحًا وأمينًا وسديدًا.