للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الله والتسديد أنهم يجمعون ما معهم من الإبل، وتسوقها عليهم الخيل والمقاتلة في أثرهم، فيدهمونهم بالإبل والخيل المقاتلة جميعا، فأجمع رأيهم على ذلك فركب عبد الله وانتهض وشمر وجال في ميدان الوغي وهلل وكبر وتحركت منه غيرة الغضب، واشتعل واهج الحمية في جأشه والتهب فحمل حملة عظيمة بقلب ثابت وقوة وعزيمة، وحف به المسلمون من كل جانب، والله معهم ومن كان الله معه فهو الغالب، فتوجه إليهم باذلا نفسه ورجاله مع أهل نجدة من شجعانه وأبطاله، فكان هو الأقدم، وكل من رآه أحب أن يتقدم، فكرّ عليهم والمسلمون كرة واحدة، كأنهم أقبلوا للسلام أو دعوة إلى مائدة فغابت عنهم الشمس قبل وقت غيوبها وأظلم بحالك الغبار شمالها وجنوبها، فوطأهم المسلمون كأنهم لا يرون ولا يسمعون، فلم يقفوا لهم حين سمعوا ضرب الهام، وحامت عليهم حوائم السام، حتى ولوا منهزمين، وعلى وجوههم هاربين، وذهل الوالد منهم عن ولده، والمنهزم أشفق على السلامة فرمي ما بيده، واستمر الضرب والطعن في أقفيتهم بعد أن كان في صدورهم، وانتقل القتال من نحورهم إلى ظهورهم، فلم تر إلا رؤوسًا مقطوعة وأسلابًا منزوعة وأشلاء مطروحة وجلودا مجروحة، فلم ترجع عنهم خيل المسلمين ورجالهم وأبطالهم حتى قتلوا فيهم قتلًا ذريعًا (١).

ثم ذكر ابن بشر شيئا غير معقول ولا تقره الوقائع المعروفة، وهو أن عبد العزيز بن محمد خرج من عنيزة بجيش وعدد كثير يضيق منه الفضاء، ويحطم ما وطئه، لولا ما قدره الله للمسلمين وقضى، وتلك الجنود التي هي شوكة بلدان القصيم نحو ألف وخمسمائة رجل، فهل يعقل أن يطيع أهل عنيزة، وهم المستقلون عن بريدة في قديم الزمان وحديثه عبد العزيز بن محمد أمير بريدة بأن يرسلوا معه جيشا يضيق به الفضاء ثم قوله إن ذلك الجيش هو شوكة


(١) عنوان المجد، ج ٢، ص ٢٦٣.