للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد أن مضى على هذه الحال بضعة أعوام، حدث أن طغى ماء الفرات فأحاط بسوق الشيوخ ولا إحاطة الهالة بالقمر فتعطلت التجارة وتعذر الامتيار (المسابلة) وأصاب أهل الأموال أضرار فاحشة، ولاسيما لما كثرت الأمراض الوافدة بأسباب العفونات التي تولدت من زيادة المياه فهاجر أكثر ساكني سوق الشيوخ إلى جهات الزبير والبصرة والكويت وكادت سوق الشيوخ تتضعضع دعائمها وتنتكث مرائرها وفي واقع الحال أنها أخذت منذ ذاك الحين بالتقهقر إلى أن وصلت إلى درجة قامت مقامها الخميسية المذكورة وذلك بصادراتها ووارداتها وحسن تجارتها.

وما زادها شأنًا وقدرًا أن الحكومة نظرت إليها نظر وامق لحسن موقعها والعشائر قطعت التردد من سائر المدن المجاورة وأخذت تختلف إليها وهي ترد إليها من جهات نجد والزبير والبصرة والكويت وسائر ديار العراق.

وعليه فإن عبد الله بن خميس لم يختط تلك المدينة إلَّا سنة غرق سوق الشيوخ وجعلها على الهور قريبة من البر على مسافة زهيدة منه بحيث جعلها مقامًا صالحًا لجميع أبناء البادية والمتحضرين، بين البصرة والكويت، بين بادية العراق وعشائر نجد والمنتفق، وبعد أن اختطها بني فيها قصره فجاراه من كان معه من النجديين فبنوا لهم ديورات وأخذوا يجلبون إليها الأموال والبياعات والتجارات وأنواع المؤونة والميرة من طعام كالأرز والحنطة والشعير والتتن (التبغ) ولباس كأنواع الأنسجة والأقمشة.

وللحال أقبل عليها الناس من كل حدب وصوب لقربها إليهم ولسهولة المعاملة فيها إذ ليس هناك دار مكس ولا رسوم ولا ضرائب ولا ما يماثل هذه الوضائع والجبايات كالتي تؤخذ على الحيوانات كما هو الأمر في البلاد المتمدنة وديار نجد والكويت وغيرها.