للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أن ذكر رحلته إلى الهند وأنها فيما يبدو مدة طويلة امتدت لأكثر من سنة واحدة، وهو ما يدل عليه قوله، في النص السابق (بعدما قضيت سنين في الهند) وأنا أرجح أن هجرته هذه كانت قبل أن يصهر الأمراء إلى أسرته، وقبل أن يرتفع نجم جار الله الدخيل، ويصبح وكيلًا للأمير ابن رشيد في العراق، له تجارة واسعة ونفوذ كبير (١).

ولا شك أن لتلك الهجرة آثارا بعيدة في سيرة الرجل، فقد أتاحت له أن يطلع على أحوال الناس في العراق والهند، ويرى ويسمع ويقرأ ويقارن بين الأقطار التابعة للخلافة العثمانية والأقطار التابعة للإمبراطورية البريطانية، وقد جعله ذلك أكثر ثقافة وأوسع أفقًا، كما أتاح له فرصة لتعلم اللغات الأجنبية ومخالطة أهلها والمثقفين بها، وقد ظهر آثار كل ذلك في كتاباته وبحوثه التي نشرها في العراق بعد ذلك.

وقد شجعه على ترك عمله في الهند، والعودة للعراق والمقام به، ما أصابه عمه جار الله من المكانة المرموقة والثراء الواسع، بعد أن أصبح وكيلًا للأمير ابن الرشيد في الخطة العراقية.

ومع أنه هبط بغداد وقد تجاوز سن الشباب وبلغ مرحلة الرجولة، وقد عرك الدنيا وجرب الناس وتجول في البلاد، وأصاب من العلم والثقافة قدرًا غير قليل، إلَّا أنه أنس في نفسه فيما يبدو نقصًا في إتقان بعض العلوم العربية والإسلامية، فدفعه ذلك إلى (قراءة العربية على الإمام الكبير أستاذنا السيد محمود شكري أفندي الآلوسي، وعلى غيره من العلماء والأدباء) (٢).

وواضح أن الأستاذ الدخيل لم يكن معنيًا بالتجارة ولا حريصًا على


(١) الصحافة في العراق، لرفائيل بطي ٢٨.
(٢) الكرملي، لغة العرب ١/ ٣٨ (١٩١٤).