وأما جماعة صالح الرخوم فإنهم مشوا على رجليهم يتخطرون من بلد إلى بلد حتى وصلوا إلى أهلهم، وحال ما وصلوا ذهبت أم صالح تسألهم عن ابنها فقال أحدهم: إنه مكسور، وأخذ الذي معه وطايح في أرض كلها سباع، والله ما تشوفينه غير ما شفتيه، فأغمي عليها وجزعت على موته وكل من سألها عنه قالت: ذبحوه الحرامية.
أما صالح فإنه جلس عند الشايب تسعين يوم وهو لا يأكل إلا لحم ظباء وجبرت رجله تمام.
وكان الشايب يدعي أبو ما جد، وفي أثناء مرضه قال صالح هذه الأبيات:
قال الذي دمعه على الخد سكاب ... من رجله الذي ساقها كسرتين
لومي على ربع وأنا أحسبهم أصحاب ... خلون في دوّ من البر ويني
لي صارت الرفقة هيوس بلا أذناب ... ما واحد منهم قعد يحتريني
خمسة عشر رجال ما فيهم أجناب ... ما منهم الوافي بدنيا ودين
لو دبروا في خيلة حطوا أسباب ... الشاهد الله كلهم بايرين
ما منهم واحد تعذر ولا جاب ... لو كلمة تجبر اقليب الحزين
احذرك ياللي بعدنا تخاوي أزلاب ... لا تخاوي إلا كل شهم فطين
شين الرخامة لي تعلت على الشاب ... بعض النساء تفوق عن الخايبين
سباع تحوفني وهي ترعب ارعاب ... أيقنت بالموت الحمر يقتفيني
الله رحمني يوم قلوا الأصحاب ... لا حولي ديار ولا أحد يعتنيني
سخر لي الشغموم قرب لي اركاب ... شالن وحطن فوق حمار متين
ساعة وصلنا البيت قرب لي أسباب ... باب الجباير واحكمه باليمين
لعل يمني حافت الكسر برتاب ... ما تحرم الجنة مع المسلمين
تسعين ليلة داخل البيت برحاب ... ما كولي من الغزلان عفرا سمين
واللي ابيته ما تضايق ولا عاب ... ولا بهم من كدرن أو يهين
في كل صبح يكلمونَنْ بترحاب ... وش لون رجلك يالحبيب الثمين