ولم يكن عند والديه شك إلا أنه مع الموتى، ولو كان حي لجاء مع أخوياه الذين جابوا الخبر.
ولما وصل صالح إلى بلده، وذلك وقت صلاة الظهر وقف عند باب أهله، قاضب رسن الناقة في يده عند الباب إذا والده يخرج للصلاة فاعتنق والده يقبله (تقبيلٍ) حار ودموعه تنهال على خده فابتهر الوالد من الذي اعتنقه وزاد بالتقبيل على رأسه وخشمه وأخيرًا ضمه إلى صدره، وبعد هذا سقط على الأرض فتعجب الوالد وارتعش من هذا السلام الذي لم يعهده، فجلس عند رأسه وهو يبكي ووالده يسترجع يقول بصوت عالي لا حول ولا قوة إلا بالله.
فسمعته أم صالح وهو يسترجع وطلعت عليه وقالت وراك اسم الله عليك، من هذا الذي يبكي عندك فقال لا أدري إنه يقبلني ويلمني على صدره وآخر شي سقط يبكي، وكان صالح متغيرًا كثيرًا عنهم ولم يعرفه والده.
ولما سمع صالح صوت أمه خاف عليها أن تنخلع وأطال الإنكباب على الأرض هذا ولم يعلم صالح أن الرفقة قد أخبروا عنه والدته.
وبعد مدة قليلة جلس وهو يبكي ومن شدة البكاء لا يعرب الكلام.
وكانت أمه متحجبة فقال صالح بصوت خفي أنا صح لم يقل صالح، فقالت والدته: وش تبي يا ابن الحلال قطعت الرجل عن الصلاة مع الجماعة.
وقالت لأبو صالح: رح صل واتركه حتى يصحي يمكن فيه صرعة، هذا مسكين، فقال صالح أنا صالح ما بي صرعة ما بي إلا العافية، وقام واقف فدخلت أمه داخل البيت وأغلقت الباب دونه فقام واقف ومحش الدموع عن عينيه وقال يا والدي أنا ابنك ووالدته تسمع قوله أنا ابنك صالح فعرفه أبوه، ونادي: يا أم صالح، هذا صالح، هذا صالح، ويرفع صوته وبكى وسمع الجيران أبو صالح وهو يصيح وحضروا وعرفوا صالح، فقال أحد الجيران: